يقول الشيخ الغزالى : عندما كنت أتلو سورة الأنفال . وأتتبع معركة بدر . قلت لمن حولى : نحمد الله لأن قافلة قريش نجت وفر بها أبى سفيان .
فسألنى سائل : لماذا ؟
وقد كان الصحابة يتمنون الإستيلاء عليها . وهم على أية حال أولى بها من مشركى مكة ؟ .
قلت : لو وقعت فى أيديهم ودار القتال من أجلها لقال المستشرقون : جهاد لطلب المال ، وحب الدنيا ! من أجل القافلة خرجوا وفى سبيلها ماتوا ... وسينسى المرجفون والأفاكون خمس عشرة سنة إنقضت فى كفاح مرير وتضحية موصولة . قبل معركة بدر ! .
فشاء الله أن تسير الأمور ضد رغبة الأصحاب . وأن تخلص القافلة لعبدة الأوثان .
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) (الأنفال)
وهكذا أراد الله أن يدور القتال لا تشوبه شائبة . بين توحيد يرجوا الله واليوم الآخر ووثنية لا ترجوا لله وقارا .ولا تنشد عنده ثوابا . فماذا كانت النتيجة ؟
كسب المسلمون المعركة بشرف باذخ وسطوة إشرأبت لها الأعناق فى جزيرة العرب ! ثم ماذا ؟ لعل أصحاب القافلة باعوا نفائسها لإفتداء أسراهم فى المدينة الظافرة . ثم ماذا أيضا ؟
يحكى أبو تمام فى حماسته أن امرأة فى مكة سمع صياحها لأن بعيرا لها أنطلق فى الصحراء . فقال أحد رجال مكة المكظومين :
أتبكى أن يضل لها بعير ***** ويمنعها من النوم السهود ؟
فلا تبكى على بكر ولكن ***** على بدر تقاصرت الجدود !
ألا قد ساد بعدهم أناس ****** ولولا يوم بدر لم يسودوا !
نعم إن يوم بدر قلب موازين الشرك كلها ، وخفض رجالا ورفع آخرين ، فهل علم من يجهل ، حكمة الله فى تمكين القافلة من الفرار ، وعدم تحقيق رجاء المسلمين فى الإستحواذ عليها ... ؟ .
فهل نعلم الآن أن فقد التيار الإسلامى للجولة مع العلمانيين والنصارى وغيرهم ليس هى الشر كما نتخيل
بل والله أرى فيها كل خير فهى الممحصة وهى الفرز للصفوف أيهم فى جانب الرحمن وأيهم فى جانب الشيطان .
فأصبروا ورابطوا وأتقوا الله وتقربوا إليه بما يحب وسيكون النصر من قلب الهزيمة .
.
.
كتاب الحق المر للشيخ الغزالي ....صـــ 9 ، 10