أحداث عدل
479 هـ - نشوب معركة الزلاقة بين المسلمين والصليبيين في الأندلس، وانتهائها بانتصار المسلمين.
1110 هـ - العمانيون ينتصرون على البرتغاليين في موقعة ممبسة البحرية، والتي استمرت ثلاثة أيام، هبت خلالها ريح شديدة جعلت الأسطول البرتغالي ينسحب من المعركة.
1337 هـ - الاحتلال البريطاني يرتكب مجزرة أمريستار في الهند التي سقط خلالها أربعمائة قتيل مدني غير مسلح، مما دفع الزعيم "غاندي" إلى مطالبة الهنود بمقاطعة البضائع الإنجليزية، والإعلان عن تحقيق الحرية السياسية بتحدي صناعة الملبوسات البريطانية.
1355 هـ - الصحفي مصطفى بن شعبان يصدر جريدة زهو البال الفكاهية التي لم يصدر منها سوى 4 أعداد فقط، وكانت الجريدة الهزلية الوحيدة التي ساندت الحزب الدستوري التونسي القديم في فترة ما بين الحربين العالميتين.
1367 هـ - مجلس الأمن يقرر وقف إطلاق النار في فلسطين وتعيين الكونت فولك برنادوت وسيطًا.
1377 هـ -
سوريا ومصر توقعان على ميثاق الوحدة العربية بين البلدين تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة.
إصدار أول طابع بريد كويتي.
1379 هـ - المعارض المغربي محمد حسن الوزاني يؤسس حزب الدستور الديمقراطي.
1389 هـ - تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي.
1406 هـ - إسبانيا تعلن اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية.
1409 هـ -
أسر مقاومون من كتائب القسام الجندي الإسرائيلي “آفي سابورتس” ثم اضطروا لقتله، وقد عثر جيش الدفاع الإسرائيلي على جثته بعد 3 شهور.
قيام اتحاد المغرب العربي بين ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والمغرب.
1411 هـ - إرغام الرئيس الصومالي محمد سياد بري على التخلي عن السلطة بعد معارك استمرت 4 أسابيع في العاصمة مقدشو.
1412 هـ - محمد بوضياف يتولى رئاسة الجزائر.
1429 هـ -
السلطات الماليزية تلقي القبض على زعيم المعارضة أنور إبراهيم بتهمة ممارسة اللواط مع مساعده السابق.
مقتل 35 وجرح أكثر من 70 إثر تفجير انتحاريين نفسيهما وسط حشود متطوعي الجيش العراقي في مدينة بعقوبة شمال العاصمة بغداد.
1430 هـ - مصرع ما لا يقل عن 192 شخصًا في الاضطرابات الدائرة بمدينة أورومتشي في تركستان الشرقية بالصين.
1432 هـ -
ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين يتعهد بالعمل على إجراء إصلاحات تقود إلى تشكيل الحكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية.
الإعلان عن الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي والتي شكلها بعد تكليفة بخمسة شهور.
مواليد عدل
1344 هـ - يوسف شاهين، مخرج سينمائي مصري.
1354 هـ - خليل الوزير، سياسي وعسكري فلسطيني لاجئ وأحد مؤسسي حركة فتح وجناحها المسلح (العاصفة).
1358 هـ - هاني الروماني، ممثل ومخرج سوري.
1373 هـ - مها المصري، ممثلة سورية.
1374 هـ - أحمد علي الزين، روائي وصحفي لبناني.
1379 هـ - ريم سعادة، ممثلة أردنية.
1392 هـ - الحسن اليامي، لاعب كرة قدم سعودي.
1393 هـ - هيفاء المنصور، مخرجة سعودية.
1396 هـ - طلال القرقوري، لاعب كرة قدم مغربي.
1397 هـ - صفاء مغربي، ممثلة مصرية.
1401 هـ - نواف الخالدي، حارس مرمى كرة قدم كويتي.
وفيات عدل
32هـ - العباس بن عبد المطلب، عم الرسول محمد وجد الخلفاء العباسيين.
1371هـ - إلياس أنطون إلياس، كاتب، لغوي ورجل الأعمال مصري.
1375هـ - عبد الكريم الممتن، فقيه مسلم وشاعر سعودي.
1431هـ - محمد مزالي، رئيس وزراء تونس.
1434هـ - صالح عبيد، سياسي تونسي.
تعليق المنتدى علي الأحداث
معركة الزلاقة
مَعْرَكَةُ الزَلاّقَة أو معركة سهل الزلاقة (بالإسبانية: Batalla de Sagrajas) (يوم الجمعة 12 رجب 479 هـ / 23 أكتوبر 1086)،[12] تعتبر أول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية في العصور الوسطى[13] وإحدى أبرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي. استطاع فيها أمير المسلمين يوسف بن تاشفين قائد المرابطين يسانده جيش أندلسي بقيادة المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية إلحاق هزيمة كبيرة بجيش قشتالي مسيحي بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون. وقعت المعركة بعد تردي أحوال الأندلس، والتي أدت لخضوع ملوك الطوائف لسلطة ألفونسو السادس ودفع الجزية له، وانتهت هذه الحالة بسقوط طليطلة في يد ألفونسو وجيشه عام 478 هـ الموافق 1085 م، أي قبل عامٍ واحد من معركة الزلاقة. على إثر ذلك، قام أهل الأندلس وأمراؤهم بإرسال سفارات ورسائل للأمير يوسف بن تاشفين تستنجده وتطلب منه الغوث والنصرة، فاستجاب لهم وعبر البحر بجيش المرابطين لنصرة مسلمي الأندلس، وتوحد جيش الأندلس مع جيش المرابطين في جيش كبير يقوده ابن تاشفين. سار الجيش حتى وصل سهل الزلاقة، وسار إليه ألفونسو السادس بجيش كبير احتشد من أرجاء أوروبا، ودارت بين الجيشين معركة كبيرة، انتهت بانتصار المسلمين انتصارًا عظيمًا، وهزيمة الجيش القشتالي المسيحي.[14]
معركة الزلاقة
جزء من معارك الاسترداد
B Osma 85v.jpg
رسمة تخيلية لأربع فرسان في معركة الزلاقة عام 1086.
معلومات عامة
التاريخ 12 رجب 479 هـ / 23 أكتوبر 1086
الموقع سهل الزلاقة
النتيجة انتصار ساحق للمسلمين.[1]
المتحاربون
Flag of Morocco 1073 1147.svg المرابطون
Flag of Morocco 1073 1147.svg ملوك الطوائف
Banner of Castile (Modern Design Variant).svg مملكة قشتالة
Estandarte de la Corona de Aragon.png مملكة أراغون
القادة
Flag of Morocco 1073 1147.svg يوسف بن تاشفين
Flag of Morocco 1073 1147.svg المعتمد بن عباد
Flag of Morocco 1073 1147.svg المتوكل بن الأفطس
Flag of Morocco 1073 1147.svg عبد الله بن بلقين
Banner of Castile (Modern Design Variant).svg ألفونسو السادس
Banner of Castile (Modern Design Variant).svg ألبار هانس
Estandarte de la Corona de Aragon.png سانشو راميريث
القوة
مصادر إسلامية:
~48,000 [2][3]
مصادر إنجليزية:
25,000 [4]
مصادر إسبانية:
7,500 [5]
مصادر إسلامية:
60,000 - 80,000 [6][7]
مصادر إنجليزية:
80,000 [8][9]
مصادر إسبانية:
2,500 [5]
الخسائر
خسائر متوسطة.
مصادر إسلامية:
نجاة أقل من 500 فارس[10]
مصادر إنجليزية:
24,000 قتيل[11]
مصادر إسبانية:
1,250 قتيل[5]
الزلاقة على خريطة إسبانياالزلاقةالزلاقة
تعديل مصدري - تعديل طالع توثيق القالب
كان لمعركة الزلاقة تأثيرٌ كبيرٌ في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ أوقفت زحف الممالك المسيحية في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية المطرد على أراضي الأندلس. ولكن بسبب تراخي ملوك الطوائف، اضطر يوسف بن تاشفين للعودة مرةً أخرى لنصرة الأندلس في عام 481 هـ الموافق 1088، وأقام الحصار على حصن لييط الذي كان قاعدة لشن الغارات على أراضي الأندلس، وانتهى الحصار بالاستيلاء على الحصن. قرر يوسف بن تاشفين بعدها إنهاء حكم ملوك الطوائف بعد ما وجد منهم خيانات بإبرام التحالفات مع ألفونسو السادس عدوهم اللدود، وبحلول عام 484 هـ الموافق 1091 كان المرابطون قد ضموا معظم أراضي الأندلس عدا طائفة سرقسطة التي حافظت على استقلاليتها حتى عام 503 هـ حين ضمها القائد المرابطي محمد بن الحاج اللمتوني إلى سلطان المرابطين.[15]
خلفية تاريخية عدل
أوضاع الأندلس عدل
Crystal Clear app kdict.png مقالات مفصلة: الأندلس ملوك الطوائف المعتمد بن عباد
رسمة للملك الفونسو لحظة دخوله طليطلة.
بعد وفاة المظفر بن المنصور بن أبي عامر عام 399 هـ، تولى أخوه شنجول حجابة الدولة الأموية في الأندلس ولم تمر أشهر حتى أجبر الخليفة هشام المؤيد بالله على إعلان تولية شنجول ولاية عهد الخليفة، مما أثار حفيظة أمراء بني أمية ودبروا المكائد لاستعادة سيطرتهم على الحكم حتى استطاع محمد المهدي بالله قتل شنجول وخلع المؤيد بالله، وإعلان نفسه خليفة المسلمين في الأندلس لتبدأ فترة من الاضطرابات الداخلية في الأندلس عرفت بفتنة الأندلس دامت حتى عام 422 هـ، وانتهت بتفكك الخلافة إلى إمارات صغيرة متناحرة عرفت باسم ممالك الطوائف الذين كان أبرزهم بنو حمود أصحاب مالقة والجزيرة الخضراء في الجنوب وبنو عباد في إشبيلية في الغرب وهم أقوى ملوك الطوائف، وبنو ذي النون طليطلة وبنو هود في سرقسطة في الشمال وبنو عامر في بلنسية ومرسية في الشرق.[16][17]
في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي كان المسلمون في الأندلس أشد خصومة وتطاحنًا فيما بينهم من أعدائهم، ولم يتورع بعضهم عن التحالف مع الممالك المسيحية في الشمال، أو أن يستمد عونها نظير الجزية، وما لبث أن اندلع الصراع بين طائفة طليطلة وطائفة قرطبة، وشارك في هذه الحرب باديء الأمر أمراء طليطلة وقرطبة واشبيلية، استمر هذا الصراع سنينًا طويلة، حتى تحالف المأمون بن ذي النون أمير طليطلة مع فرناندو الأول ملك ليون وقشتالة، واستطاع المأمون الاستيلاء على بلنسية، ثم استطاع المعتمد بن عباد أمير اشبيلة الاستيلاء على مرسية وأريولة ومدن أخرى، ثم تحالف ابن عباد مع ألفونسو السادس ملك قشتالة، على أن يمد ألفونسو ابن عباد بالجند في قتاله أمراء الطوائف، في حين يتوجب على ابن عباد دفع الجزية لمملكة قشتالة، ومن أهم نتائج هذا التحالف أن استطاع ألفونسو الاستيلاء على طليطلة (عاصمة القوط القديمة) وذلك في سنة 478 هـ الموافقة سنة 1085 م، أي قبل عامٍ واحد من معركة الزلاقة، وفقد بذلك المسلمون طليطلة إلى الأبد بعد أن حكمها المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعون عامًا، واتخذها ملك قشتالة حاضرة مُلكه منذ ذلك الحين، وغدت بذلك عاصمة لقشتالة.[18][19][20][21]
كان سقوط طليطلة ضربة قاضية على التحالف بين ألفونسو وابن عباد أمير اشبيلية، لأن ألفونسو لم يقنع بطليطلة بل استولى على جميع الأراضي الواقعة على ضفتي نهر تاجة، وعلى قلاع مجريط وماردة وبطليوس، فجزع ابن عباد، وكتب إليه كتابًا يحذره فيه ألا يتعدى في فتوحاته طليطلة، فإن هو فعل فإن ذلك يعتبر خرقًا للتعاهد، ولكن ألفونسو لم يُعر لكلام ابن عباد أي اهتمام، وقرر مواصلة فتوحاته، وعقد النية على غزو الإمارات المسلمة كلها، وأضحت طائفة سرقسطة مهددة بمصير كمصير طليطلة، عندها قرر معظم الأمراء المسلمين أن لا ملجأ من ألفونسو إلا بالاستنجاد بالمرابطين في أفريقية.[22]
أوضاع الممالك المسيحية شمال أيبيريا عدل
Crystal Clear app kdict.png مقالات مفصلة: ألفونسو السادس مملكة قشتالة
توحدت جهود ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزء من من البرتغال واستوريش وليون وبسكونية، وسانشو الأول ملك أراجون ونافارا، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل، على خوض معركة تنهي الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، خاصة بعد أن سقطت طليطلة في أيديهم، ونبذت الممالك المسيحية كل خصوماتها السابقة والتي كانت تَشل قواها، وسار الجميع في جيش كبير قوي من جليقية وليون، واحتلوا مدينة قورية من بني الأفطس، ووصولوا إلى ضواحي إشبيلية، فأحرقوا قراها وحقولها، وسارت فرقة من الفرسان إلى شذونة، ثم اخترقت جزيرة طريف قاصية أسبانيا قرب مضيق جبل طارق، كما حاصر القشتاليون بمعاونة من جند الأراجونييون والقطلونيين الذي وضعهم ألفونسو تحت قيادته، قلعة سرقسطة الحصينة، التي يضع سقوطها حوض نهر أبرة في يده، ويجعل الشواطيء التي تليها من جهة البحر المتوسط عرضة لغاراته، ولكن الحصون الإسلامية المنيعة قاومت الضغط المتزايد على سرقسطة يومًا بعد يوم.[23]
أوضاع المرابطين عدل
دولة المرابطين في اقصى اتساع لها.
Crystal Clear app kdict.png مقالات مفصلة: دولة المرابطين يوسف بن تاشفين
كان المرابطون أو من عرفوا بادئ أمرهم باسم الملثمين، بذرة لحركة إصلاحية إسلامية، اعتمدت في نشأتها على دعوة الشيخ عبد الله بن ياسين وقوة قبائل صنهاجة، وخاصة قبيلتا لمتونة وجدالة. فتأسست الدولة على منهج إسلامي سني مالكي. فلما مات ابن ياسين آل زمام الحكم إلى أبو بكر بن عمر اللمتوني، والذي أوكل يوسف بن تاشفين الحكم طيلة فترة غيابه لاصلاح أمرٍ كان قد اندلع في صحراء المغرب وغاب لسنوات، فلما رجع وجد أن الأمور قد استتبت ليوسف، فقرر التنازل عن الملك ليوسف.[24] استطاع يوسف أن يوطد سلطانه في المغرب الأقصى، فوحد المغرب تحت سلطة مركزية، وأتم فتح فاس في عام 455 هـ، ثم فتح تلمسان، وأعقبها فتح طنجة وسبتة. وفي عام 454 هـ، قرر ابن تاشفين بناء مدينة مراكش،[25] التي جعلها عاصمة لدولة المرابطين، وأصبحت قاعدة عسكرية صلبة قوية، وبذلك استطاع يوسف بن تاشفين أن يسيطر ويمتلك المغرب من بلاد العدوة من جزائر بني مزغنة، إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى، إلى جبال الذهب من بلاد السودان.[26][27]
استنجاد أهل الأندلس بالمرابطين عدل
بلغ الأندلسيون في أواخر أيام عصر ملوك الطوائف، حالة عصيبة فرضتها عليهم سياسة أمرائهم المتمثلة في الاقتتال فيما بينهم وخنوعهم المخزي لعدوهم، فبدأوا يبحثون عن حل لما هم عليه من تردي، أخذت فكرة الاستنجاد بيوسف بن تاشفين وإخوتهم المرابطين تنتشر بين الأندلسيين، وقام بعض المتحمسين لهذه الفكرة بجواز البحر والتوجه نحو مراكش ولقاء يوسف بن تاشفين، يشرحون له أحزانهم وآلامهم وما جرى لهم من ضيم وقهر بيد المسيحييين في الشمال. كان ابن تاشفين يستقبلهم بكل حفاوة واهتمام، ويعدهم بكل خير، يقول المقري التلمساني: «وكان يوسف بن تاشفين لا تزال تقدم عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته، ووزراء دولته، فيسمع لقولهم، ويصغي إليهم، وترق نفسه لهم»،[28] وأصبحت مدينة مراكش قبلة لوفود الأندلس، التي يرون فيها الأمل والقدرة على إصلاح أحوالهم، ويروي ابن أبي زرع: «ويبدو أن المعتمد بن عباد أمير اشبيلية حاول الحصول على مساندة يوسف بن تاشفين منذ وقت مبكر جدًا، ففي عام 467 هـ أرسل ابن عباد لابن تاشفين يطلب منه مناصرة الأندلس، اعتذر بوجود مدينتي طنجة وسبتة حاجزًا أمام المرور».[29]
كتاب ابن الأفطس إلى يوسف بن تاشفين عدل
أرسل المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس رسالة إلى يوسف بن تاشفين يرثي إليه حالهم وما آل إليه أمرهم وقال: «لما كان نور الهدى دليلك وسبيل الخير سبيلك، وصح العلم بأنك لدولة الإسلام أعز ناصر، وعلى غزو الشرك أقدر قادر، وجب أن تستدعي لما أعضل الداء، وتستغاث فيما أحاط الجزيرة من البلاء، فقد كانت طوائف العدو تطيف بها عند إفراط تسلطها واعتدائها، وشدة ظلمها واستشرائها، ولم يزل دأبها التشكيك والعناد، ودأبنا الإذعان والانقياد، حتى نفذ الطارف والتلاد، وأتى على الظاهر والباطن النفاد، وأيقنوا الآن بضعف المتن، وقويت أطماعهم في افتتاح المدن، وأُضرمت في كل جهة نارهم، ورويت من دماء المسلمين أسنتهم وشفارهم، ومن أخطأه القتل منهم فإنما هم في أيديهم أسرى وسبايا، يمتحنونهم بأنواع المحن والبلايا، فيا لله ويا للمسلمين، أيسطو هكذا بالحق الإفك، ويغلب التوحيد الشرك، ويظهر على الإيمان الكفر، ألا ناصرًا لهذا الدين المهتضم، ألا حاميًا لما استبيح من حمى الحرم، وما أحضك على الجهاد بما في كتاب الله، فإنكم له أتلى، ولا بما في حديث رسول الله، فإنكم إلى معرفته أهدى، وفي كتابي هذا الذي يحمله إليكم الفقيه الواعظ، مسائل مجمله يفصلها ويشرحها، ومشتمل على نكت هو يبينها لكم ويوضحها، وقد عولت على بيانه، ووثقت بفصاحة لسانه، والسلام»،[30] فلما وصلت الرسالة لابن تاشفين أكرم حامليها وطمأنهم، ووعدهم بالإمداد والعبور للأندلس، وفتح باب الجهاد في سبيل الله عندما تسنح الفرصة، وتزول العوائق التي تقف في طريق المرابطين.[31]
كتاب ابن عباد إلى يوسف بن تاشفين عدل
على الرغم من خضوع أمراء الطوائف لمسيحيي الشمال، وتحكيمهم في كثير من قضاياهم وتسابقهم على استرضائهم وعقد المحالفات معهم، ودفع الأموال الجزيلة لهم، إلا أن كل هذا لم يزدهم إلا عنجهية في المطالب، وكان المعتمد بن عباد أمير اشبيلية قد انشغل في أحد السنوات في حرب من حروبه، أنساه عن دفع الجزية والضريبة المفروضة إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولم يرسلها له في الوقت المحدد، فلما تمكن من إرسالها بعد ذلك، استشاط ألفونسو غضبًا، وطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة، وأمعن في التجني وسأل في دخول امرأته إلى جامع قرطبة، لتلد فيه إذ كانت حاملًا،[32] فكان من ابن عباد عام 475 هـ أن أرسل إلى يوسف بن تاشفين رسالة يشرح فيه أوضاع الأندلس، وما آلت إليه أحوال المسلمين، من تغلب العدو على أكثر بلادهم، ويطلب المساعدة على درء العدوان، فأجابه يوسف: «إذا فتح الله لي سبتة اتصلت بكم، وبذلت في جهاد العدو المجهود.»[33]
كتاب ألفونسو إلى المعتمد بن عباد عدل
أرسل ألفونسو السادس ملك قشتالة لابن عباد أمير اشبيلية رسالة نقلتها المصادر العربية بهذا النص: «من القنبيطور ذي الملتين، الملك المفضل الأذفتش بن شانجة، إلى المعتمد بالله سدد الله آراءه، قد أبصرتم ما نزل بطليطلة وأقطارها، وما سار بأهلها حين حصارها، فأسلمتم إخوانكم، وعطلتم بالدعة زمانكم، والحذر من أيقظ باله، قبل الوقوع في حباله، ولولا عهد سلف بيننا نحفظ ذمامه، ونسعى بنور الوفاء أمامه، لنهض بنا نحوكم ناهض العزم ورائده، ووصل رسول الغزو ووارده، لكن الإنذار يقطع الأعذار، وقد حملنا الرسالة إليكم القرمط البرهانس، وعنده من التسديد الذي يلقى به أمثالك، والعقل الذي يدبر به بلادك ورجالك، مما استنابته فيما يدق ويجل، وفيما يصلح لا فيما يخل، وأنت عندما تأتيه من آرائك، والنظر بعد هذا من ورائك، والسلام عليك يسعى بيمينك وبين يديك»[34]
وكان رد المعتمد بن عباد: «سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإنه أول ما نبدأ به من دعواه، أنه ذو الملتين، والمسلمون أحق بهذا الاسم، لأن الذي يملكوه من أمصار البلاد وعظيم الاستعداد ومجبى المملكة، لا تملكه قدرتكم، ولا تعرفه ملتكم، وإنما كانت سنة سعد أيقظ منها مناديك، وقد يأتي المحبوب من المكروه، والندم من عجلة الشروه، نبهت من غفلة طال زمانها، وأيقظت من نومة تجدد أمانها، ومتى كانت لأسلافك الأقدمين مع أسلافنا الأكرمين يد صاعدة، أو وقفة متساعدة، إلا ذل تعلم مقداره، وتتحقق مثاره، والذي جرأك على طلب ما لا تدركه قوم كالحمر (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر)، ظنوا المعاقل والدول لا تنتقل، وكان بيننا وبينك من المسالمة، ما أوجب القعود عن نصرتهم، وتدبير أمرهم، ونسأل الله سبحانه المغفرة فيما أتيناه في أنفسنا وفيهم، ومن ترك الحزم، وإسلامهم لأعاديهم، والحمد لله الذي جعل عقوبتنا توبيخك وتقريعك كالموت دونه، والسلام على من علم الحق فاتبعه، واجتنب الباطل وخدعه.»[35]
وكان ابن عباد قد اتفق مع ألفونسو على جزية يدفعها كل سنة، فأرسل ألفونسو قافلة تحتوي على خمسمائة فارس، يتزعمها وزير ألفونسو اليهودي ابن شاليب لاستلام المال،[36] فلما وصلت السفارة أنزلهم المعتمد بظاهر إشبيلية، وأرسل إليهم المال، ولكن اليهودي رفض استلام المال وقال: «والله لا آخذ منه إلا مشحرًا (ذهبًا خالصًا)»، وزاد في الكلام وأساء الأدب، فبلغ المعتمد خبره، فدعا عبيده وبعض جنده، وأمرهم بالخروج لقتل وزير ألفونسو، وأسر من كان معه، ففعلوا ما أمرهم به من ذلك.[37]
مؤتمر قرطبة عدل
جامع قرطبة.
ما إن انتشر خبر قتل وزير ألفونسو، حتى أدرك الناس في الأندلس خطورة الوضع، لعلمهم بعجز ملوك الطوائف عن صد خطر الممالك المسيحية، فعُقد مؤتمر شعبي في قرطبة،[38] شارك فيه مجموعة من رؤساء الأندلس، واجتمعوا بالقاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم، وقالوا له: «ألا تنظر ما فيه المسلمون من الصغار والذلة، وإعطائهم الجزية بعد أن كانوا يأخذونها، وقد غلب على البلاد الفرنج، ولم يبق إلا القليل، وإن دام هذا عادت نصرانية، وقد رأينا رأيًا نعرضه عليك، قال: وما هو، قالوا: نكتب إلى عرب أفريقية ونبذل لهم إذ وصلوا إلينا شطر أموالنا، ونخرج معهم مجاهدين في سبيل الله، قال ابن أدهم: المرابطون أصلح منهم وأقرب إلينا، فقالوا: كاتب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، واسأله العبور إلينا، وإعانتنا بما يتيسر من الجند.»[28]
وفي هذه الأثناء وصل المعتمد بن عباد إلى قرطبة، واجتمع مع القاضي ابن أدهم، أبلغه فيه بمطلب الناس ورغبتهم بالاستعانة بالمرابطين، والاستعداد العسكري لمواجهة الخطر المسيحي، ونظرًا لوطأة الضغط العسكري الذي يمارسه ألفونسو، لم يعد هناك بد من الاستجابة لهذا المطلب، ومكاتبة يوسف بن تاشفين، وقد رغب ابن عباد أن يكون القاضي ابن أدهم رسوله إلى ابن تاشفين، فوافق القاضي بذلك، وبذلك تقرر طلب النجدة من المرابطين بشكل رسمي، هذا ما حدث بعد مقتل وزير ألفونسو من الجانب الإسلامي، أما ألفونسو فإنه عندما علم بمقتل وزيره وما جرى لسفارته أقسم بآلهته ألا يرفع يده عنه، وأن يحشد من الجند عدد شعر رأسه، ويصل بهم إلى بحر الزقاق.[37]
كتاب ألفونسو إلى يوسف بن تاشفين عدل
نفذ ألفونسو مخططه بغزو المسلمين في مدنهم، وقام بمحاصرة ابن عباد في قصره، وفي أيام مقامه بذلك الحصار كتب إلى ابن عباد زاريًا عليه: «كثر بطول مقامي في مجلسي الذباب، واشتد علي الحر، فألقني من قصرك بمروحة، أروح بها على نفسي، وأطرد بها الذباب عني»،[39] لما وصلت الرسالة لابن عباد رد عليه جوابه بلهجة جديدة وعزيمة قوية بعيدًا عن منطق الاستجداء والتبعية، فوقع له بخط يده خلف الرقعة: «قرأت كتابك، وفهمت خيلائك وإعجابك، وسأنظر لك مراوح من الجلود الملطية، في أيدي الجيوش المرابطية، تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله».[40][41]
بعد أن فهم ألفونسو مراد ابن عباد في كتابه، أراد أن يستخدم في خطابه مع ابن تاشفين نفس أسلوب تعامله مع ملوك الطوائف، فكتب إليه رساله: «من أمير النصرانية أذفونش بن فردلند إلى يوسف بن تاشفين، أما بعد فإنك اليوم أمير المسلمين ببلاد المغرب وسلطانهم، وأهل الأندلس قد ضعفوا عن مقاومتي ومقابلتي، وقد أذللتهم بأخذ البلاد، وقد وجب عليك نصرهم، لأنهم أهل ملتك، فإما أن تجوز إلي، وإما أن ترسل إلي المراكب أجوز إليك، فإن غلبتني كان ملك الأندلس والمغرب لك، وإن غلبتك انقطع طمع الأندلس من نصرك إياهم، فإن نفوسهم متعلقة بنصرتك لهم»، ولما وصل كتاب ألفونسو ليوسف، أمر كاتبه أن يرد على رسالة ألفونسو، فكتب كتابًا مفصلًا رد فيه على كل فقرة وردت في الرسالة، ولما قرأ رده على ابن تاشفين، أعجب به يوسف ولكنه رآه مطولًا، فأمر كاتبه أن يكتب على ظهر رسالة ألفونسو: «من أمير المسلمين يوسف إلى أذفونش، أما بعد فإن الجواب ما تراه بعينك، لا ما تسمعه بأذنك، والسلام على من اتبع الهدى».[42]
كتاب ابن عباد إلى يوسف بن تاشفين عدل
في غرة جمادى الأولى من عام 479 هـ أرسل ابن عباد رسالة لابن تاشفين: «إلى حضرة الإمام أمير المسلمين، إنا نحن العرب في هذه الأندلس، قد تلفت قبائلنا وتفرق جمعنا، وتوالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفنش، أسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون، وليس لنا طاقة على نصرة جاره ولا أخيه، وقد سائت الأحوال وانقطعت الآمال، وأنت أيدك الله ملك المغرب، استنصرت بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم، لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر، والسلام على حضرتكم السامية، ورحمة الله تعالى وبركاته»،[43] ولما وصل الكتاب لابن تاشفين أكرم حامليها، ثم استشار قادته وأمرائه، وأشاروا عليه بعبور الأندلس،[44] فأرسل للمعتمد رسالة: «من أمير المسلمين إلى المعتمد بن عباد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد، فإنه وصل خطابكم المكرم، فوقفنا على ما تضمنه من استدعائنا لنصرتك، وما ذكرته من كربتك، فنحن يمين لشمالك ومبادرون لنصرتك وحمايتك، وإنه لا يمكننا الجواز إلا أن تسلم لنا الجزيرة الخضراء، تكون لنا، لكي يكون إليك على أيدينا متى شئنا، فأن رأيت ذلك فأشهد به نفسك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، ووافق المعتمد بن عباد على تسليم المدينة للمرابطين، وبذلك وافق المرابطون على العبور للأندلس.[45]
العبور إلى الأندلس عدل
الجزيرة الخضراء مقر معسكر المرابطين.
ما إن أعطى المعتمد بن عباد موافقته على إعطاء المرابطين الجزيرة الخضراء، حتى أعطى يوسف بن تاشفين أمره لخمسمائة فارس بالتجهز للعبور إلى الأندلس كمقدمة لبقية الجيش، وبدأ الفرسان بالتوافد على الجزيرة الخضراء، ونزلوا بدار الصناعة، وضُرب معسكر للفرسان، وأخذ الفرسان بالتوافد حتى اكتمل عددهم وقد أحاطوا بالجزيرة من كل جهة، وأحدقوا عليها يحرسونها بقيادة داود بن عائشة، ثم اتصل ابن عائشة بالمعتمد يخبره بوصولهم للجزيرة ويطلب منه إخلائها كما اتفق مع يوسف بن تاشفين، وبعد تردد من المعتمد بن عباد قرر المواصلة في التفاهم الذي عقده من ابن تاشفين خلال سفاراته إلى مراكش، ثم أرسل أمير المسلمين إلى ابن عباد رسالة فيها: «كفيناكم مؤنة القطائع، وإرسال الأقوات لأجنادنا كما وعدت»،[46] فما كان من المعتمد إلا أن أرسل لابنه الراضي بن المعتمد وكان وقتها أميرًا على الجزيرة الخضراء، بإخلاء الجزيرة للمرابطين فورًا، فدخلها المرابطون وعادت الأمور إلى ما كانت عليه من الصفاء، بعد أن توجس المرابطون ريبة من تأخر ابن عباد في إخلاء الجزيرة، ثم انطلقت كتائب المرابطين تجوز البحر متوجهة إلى الأندلس، تكبر وتهلل، تضم أفواجًا من الذين انضموا للمرابطين بعد دعوة ابن تاشفين للجهاد، يقول ابن الكردبوس: «وقد أخلص لله تعالى نيته، وملأ البحر أساطيلًا، وأجاز رعيلًا رعيلًا، واحتل الجزيرة الخضراء في كتيبته الخضراء، المشتملة على اثني عشر ألف راكب من صناديد الأجناد».[47]
المضيق الذي عبر منه المرابطون.
ولما ركب ابن تاشفين البحر متوجهًا للأندلس دعا الله: «اللهم إن كنت تعلم أن جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه علي حتى لا أجوزه»،[48][49] وكان ابن تاشفين قد أمر بعبور الإبل من المغرب إلى الأندلس لأغراض عسكرية، فعبر منها ما أغص الصحراء، وارتفع رغائها إلى عنان السماء، ولم يكن أهل الجزيرة قد رأوا جمالًا قط، ولا كانت خيلهم قد رأت صورها ولا سمعت أصواتها، وكانت تذعر منها وتقلق، وكان هذا قصد يوسف بن تاشفين في عبورها، فلما كانت المعركة كانت خيل الإفرنج تحجم عنها،[50] وبهذا تكون قوة المرابطين قد أكملت عبورها إلى الأندلس،[51] وحلت في الجزيرة الخضراء، وأصبحت قريبة من أرض المعركة، ولم يعد يفصلها بين القتال فاصل، فالقوات القشتالية كانت تغير على أي مكان في الأندلس، وتعيث وتخرب ثم تعود إلى ألفونسو، ولهذا أمر ابن تاشفين بتقوية حصون الجزيرة الخضراء، وشحنها بالسلاح والذخيرة والطعام، وتشديد الحراسة عليها لتكون قاعدة حصينة، ونقطة اتصال أمينة بين الدولتين الأندلس والمغرب.[52]
وكان في مقدمة من استقبل ابن تاشفين القاضي أبو الوليد الباجي وعدد كبير من العلماء، واستبشر أهل الأندلس بوصول المرابطين وأميرهم، وبهذا مهدت السُبل أمام المرابطين في الأندلس، وما إن علم المعتمد بوصول ابن تاشفين الجزيرة الخضراء حتى أرسل ابنه للقائه، بينما انشغل هو بتأمين مؤن الجيش، قال الحميري: «وأمر عمار البلاد بجلب الأقوات والضيافة، ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه»،[53] ثم أمر المعتمد جنده بالتجهز والاستعداد للّحاق بجيش المجاهدين، وسار لاستقبال ابن تاشفين، والتقيا في معسكر ابن تاشفين، ولم يبقَ أحدٌ من ملوك الطوائف في الأندلس إلا بادر وأعان وخرج وأخرج،[54] ولما اكتملت الاستعدادات وتهيأ الجند للتحرك يقودهم ابن تاشفين، أشار عليه ابن عباد بالسير لاشبيلية ليستريح من وعثاء السفر فأبى وقال: «إنما جئت ناويًا جهاد العدو، فحيثما كان العدو وجهت نحوه».[55]
الاستعداد للمعركة عدل
كان يوسف بن تاشفين على رأس الجيوش الإسلامية المتجمعة في الجزيرة الخضراء، والتي وهبها المعتمد للأمير يوسف لتكون مقرًا لجنده، ومركز اتصال وإمداد للمجاهدين، وخطًا مأمونًا للعودة، وكان ابن تاشفين يقول في غمرة استعدادهم للمعركة: «أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر أحد إلا أنا بنفسي»،[56] وقد انضمت قوات المعتمد بن عباد أمير اشبيلية، وبعض قوات ابن صمادح أمير ألمرية، وعبد الله بن بلقين أمير غرناطة، وأخوه تميم أمير مالقة إلى معسكر المرابطين،[57] وقدم القادر بن ذي النون والمتوكل بن الأفطس، فأمرهم أمير المسلمين ابن تاشفين أن يكونوا في معسكر ابن عباد، فأصبح المسلمون معسكرين: معسكر الأندلس ومعسكر المرابطين.[58]
مسير جيش المرابطين من المغرب حتى الزلاقة.
أصبح القائد العام لقوات الأندلس المعتمد بن عباد، ثم وزع المسلمون جيشهم كالتالي: المقدمة ويقودها المعتمد بن عباد ويؤازره أبو سليمان داود بن عائشة في عشرة آلاف فارس من المرابطين، والميمنة يقودها المتوكل على الله عمر بن الأفطس أمير بطليوس، والميسرة فيها أهل شرق الأندلس، الساقة فيها سائر أهل الأندلس، القوة الاحتياطية يقودها أمير المسلمين وهي مؤلفة من نخبة من أنجاد المرابطين وأهل المغرب وحرسه الخاص،[59] ثم انطلق جيش المسلمين باتجاه العدو، واستمر في سيره حتى وصل مدينة بطليوس، واستقبلهم المتوكل بن الأفطس على مقربة منها، وقدم لهم المؤن والضيافات اللازمة، وانتهى إلى سهل يقع شمال بطليوس، على مقربة من حدود البرتغال الحالية، تسمية الروايات الإسلامية الزلاقة ويسميه الأسبان (sagrajas)،[21] وفي هذا السهل تعاقد رؤساء الأندلس أن يكونوا يدًا واحدة، يقول عبد الله بن بلقين أمير غرناطة: «وعاقدنا أمير المسلمين على أن تصل الأيدي على غزو الروم بمعونته، وألا يعرض لأحدنا في بلده، ولا يقبل عليه رعيته، بمن يروم الفساد عليه»،[46] ووصف ابن بلقين جو المعسكر بقوله: «والعجب في تلك الفترة من حسن النيات، وإخلاص الضمائر، كأن القلوب إنما جمعت على ذلك».[46]
جاءت أنباء عبور المرابطين إلى ألفونسو السادس وهو يشدد الحصار على مدينة سرقسطة، مما اضطره لرفع الحصار عنها، والتفرغ لإعداد الخطط وتجميع القوى، فأرسل إلى ابن ردمير الذي كان يحاصر مدينة طرطوشة، وإلى ألبارهانس [الإنجليزية] القائد القشتالي الذي كان يحاصر بلنسية، فأتوه بجيشهما، وبعث إلى قشتالة وجليقية وليون، فأتى من تلك البلاد حشود كبيرة، واستمر ألفونسو في الاستنفار والحشد من أرجاء أوروبا، وأخذت النجدات تتوافد إلى قشتالة، حتى استكمل ألفونسو استعداداته العسكرية كاملة،[60] فسار في عدة وعتاد، وارتقى ربوة مع جماعة من زعماء قومه ليبصر أعداد جيوشه، فأعجب بما رأى من كثرتهم ولمعان دروعهم، فقال لابن عمه غرسية: «هذا اليوم لنا فيه الغلبة على المسلمين»،[61] ثم واصل ألفونسو وجيشه السير باتجاه بطليوس حيث سهل الزلاقة وجيش المسلمين، وكان ألفونسو يظن أنه قادر على حسم المعركة لصالحه، لما رآه من كثرة جنوده وعتاده، فكان يقول: «بهؤلاء أقاتل الإنس والجن وملائكة السماء».[62]
اختيار سهل الزلاقة عدل
موقع سهل الزلاقة على الخريطة.
وقع اختيار سهل الزلاقة مكانًا للمعركة المرتقبة،[63][64] بعد تدبر وتخطيط من كلا الفريقين، فكان اختيار مدينة بطليوس من قبل المسلمين والتوقف عندها بأمر من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، الذي كان يريد استدراج الجيش القشتالي وإخراجه من مواقعه الحصينة، ومن ثم قتاله على أرض يجهلها هو، بينما هي معروفة لدى المسلمين، يقول ابن بلقين: «وساقه القدر إلى التوغل في بلاد المسلمين وأبعد عن أنظاره، ونحن بإزاء المدينة متربصون، إن كانت لنا فيها ونعمت، وإن لم تكن كانت وراءنا حرزًا، معقلًا نأوي إليها وأمير المسلمين يدبر هذا الأمر بحسن رأيه، ويلتوي عسى أن تكون الملاقاة بتلك الناحية، ودون أن يحوج إلى التوغل في بلادهم، وهم كما دخلوا الأندلس لا يعرفون من لهم ومن عليهم»،[65] أما ألفونسو فقد وافق ابن تاشفين في اختياره لسهل الزلاقة، إذا عمد إلى مهاجمة عدوه في أرضه، وذلك بعد مشاورات ونقاشات دارت بينه وبين قادته، اتفقوا فيها على السير إلى الزلاقة، لاظهار الجرأة والتأثير على معنويات المسلمين، والتوغل في أرض المسلمين ، وقد برر ألفونسو اختياره الزلاقة بقوله: «إني رأيت أني إن مكنتهم من الدخول إلى بلادي فناجزوني فيها وبين جدرها، وربما كانت الدائرة عليّ، يستحكمون البلاد ويحصدون من فيها في غداة واحدة، ولكني أجعل يومهم في حوز بلادهم، فإن كانت عليّ اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم، إلا بعد أهبة أخرى فيكون في ذلك صون لبلادي وجبر لمكسري، وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ماخفت أنا أن يكون فيّ وفي بلادي إذا ناجزوني في وسطها».[28]
الرسائل بين ابن تاشفين وألفونسو عدل
خيّر ابن تاشفين ألفونسو بين الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب عملًا بالسنة،[66] وجاء في الرسالة قول يوسف: «بلغنا يا أذفنش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر بها إلينا، فعبرنا إليك، وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)»،[67] ولما وصل كتاب يوسف إلى ألفونسو لم يستجب لدعوته، وقال للرسول الذي حمل الرسالة: «إن صاحبكم يوسف بن تاشفين قد تعنى من بلاده وخاض البحور، وأنا أكفيه العناء فيما بقي ولا أكلفكم تعبًا، أمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقًا بكم وتوفيرًا عليكم».[68]
نهر يانة الذي عسكر بجانبه الجيشان.
وكان معتادًا في مثل هذه الحالات، واستنادًا لبعض الأعراف المتبعة في تلك العصور أن يحدَّد يوم المعركة بموافقة الطرفين، وكان وصول ألفونسو أرض المعركة في شهر رجب من عام 479 هـ الموافق لشهر أكتوبر من عام 1086، فلما أصبح يوم الخميس أرسل ألفونسو رسالةً يقترح فيها تحديد يوم الإثنين ميعادً للمعركة بين الطرفين، ومع أن المسلمين أحسوا بأن ألفونسو إنما أراد من يوم الإثنين الغدر والخديعة، إلا أنهم وافقوا على اقتراحه بعد أن ضاعفوا الحراسة وأخذوا الاحتياطات اللازمة، وبثوا عيونهم وطلائعهم يترصدون أي حركة للعدو، وهذا ما أثبته يوسف بن تاشفين في رسالته إلى المعز بن باديس صاحب أفريقية، وذلك بعدما انتصر في الزلاقة: «فوقع الاتفاق بيننا وبينه على الملاقاة يوم الإثنين، وقال ألفونسو: الجمعة عيد المسلمين، والسبت عيد اليهود، وفي معسكرنا منهم خلق كثير، والأحد عيدنا، فافترقنا على ذلك، وأضمر اللعين خلاف ما شرطناه، وعلمنا أنهم أهل خداع ونقض عهود، فأخذنا أهبة الحرب لهم وجعلنا عليهم العيون».[7]