تابع قصة أهل البصرة مع المسجديين (مريم الصناع)
: فأقبل عليهم شيخ فقال: «وهل شعرتم بموت مريم الصناع؟ فإنها كانت من ذوات الاقتصاد، وصاحبة إصلاح» . قالوا: «فحدثنا عنها» .
قال: نوادرها كثيرة وحديثها طويل، ولكني أخبركم عن واحدة فيها كفاية» . قالوا: «وما هي؟ قال:
زوجت إبنتها، وهي بنت إثنتي عشرة سنة، فحلتها الذهب والفضة، وكستها المروي «1» والوشي «2» والقز «3» والخز «4» ، وعلقت المعصفر «5» ودقت الطيب، وعظمت أمرها في عين الختن «6» ، ورفعت من قدرها عند الأحماء «7» . فقال لها زوجها: أنى لك هذا يا مريم؟ قالت:
هو من عند الله. قال: دعي عنك، وهاتي التفسير، والله ما كنت ذات مال قديما، ولا ورثته حديثا، وما أنت بخائنة في نفسك، ولا في مال بعلك «8» ، إلا أن تكوني قد وقعت على كنز. وكيف دار الأمر، فقد أسقطت عني مؤونة «9» ، وكفيتني هذه النائبة «10» . قالت: إعلم أني منذ يوم ولدتها، إلى أن زوجتها، كنت أرفع من دقيق كل عجنة حفنة؛ وكنا، كما قد علمت، نخبز في كل يوم مرة، فإذا اجتمع من ذلك مكوك «1» بعته. فقال لها زوجها: ثبت الله رأيك وأرشدك، وفقد أسعد الله من كنت له سكنا «2» ، وبارك لمن جعلت له إلفا. ولهذا وشبهه قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من الذود «3» الى الذود إبل» . وإني لأرجو أن يخرج ولدك على عرقك الصالح، وسلى مذهبك المحمود. وما فرحي بهذا منك بأشد من فرحي بما يثبت الله بك في عقبي «4» من هذه الطريقة المرضية.
فنهض القوم بأجمعهم إلى جنازتها، وصلوا عليها. ثم رجعوا إلى زوجها فعزوه على مصيبته؛ وشاركوه في حزنه.