﴿ (78) باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى ، عليه السلام ﴾
۞۞۞۞۞۞۞
ثم نتبعهم بذكر داود وسليمان ، عليهما السلام .
قال ابن جرير ، في " تاريخه " : لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين ، وأمور السالفين من أمتنا ، وغيرهم; أن القيم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع ، كالب بن يوفنا .
يعني أحد أصحاب موسى ، عليه السلام ، وهو زوج أخته مريم ، وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله ، وهما يوشع ، وكالب وهما القائلان لبني إسرائيل حين نكلوا عن الجهاد : ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين [ المائدة : 23 ] .
قال ابن جرير ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل بن بوذى .
وهو الذي دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت .
﴿ (79) قصة حزقيل ﴾
۞۞۞۞۞۞۞
قال الله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ البقرة : 243 ] .
قال محمد بن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع ، خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى ، وهو ابن العجوز ، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه ، فيما بلغنا : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت قال ابن إسحاق فروا من الوباء ، فنزلوا بصعيد من الأرض ، فقال لهم الله : موتوا .
فماتوا جميعا ، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع ، فمضت عليهم دهور طويلة ، فمر بهم حزقيل ، عليه السلام ، فوقف عليهم متفكرا ، فقيل له : أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال : نعم .
فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما ، وأن يتصل العصب بعضه ببعض .
فناداهم عن أمر الله له بذلك ، فقام القوم [ ص: 281 ] أجمعون ، وكبروا تكبيرة رجل واحد .
وقال أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن أناس من الصحابة ، في قوله : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم قالوا : كانت قرية يقال لها : " داوردان " ، قبل " واسط " وقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها ، فنزلوا ناحية منها ، فهلك من بقي في القرية ، وسلم الآخرون ، فلم يمت منهم كثير ، فلما ارتفع الطاعون ، رجعوا سالمين ، فقال الذين بقوا : أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا ، لو صنعنا كما صنعوا بقينا ، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم .
فوقع في قابل ، فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا ، حتى نزلوا ذلك المكان ، وهو واد أفيح ، فناداهم ملك من أسفل الوادي ، وآخر من أعلاه : أن موتوا .
فماتوا ، حتى إذا هلكوا ، وبقيت أجسادهم ، مر بهم نبي ، يقال له : حزقيل .
فلما رآهم وقف عليهم ، فجعل يتفكر فيهم ويلوي شدقيه وأصابعه ، فأوحى الله إليه : تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال : نعم .
وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم ، فقيل له : ناد .
فنادى : يا أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن تجتمعي .
فجعلت العظام [ ص: 282 ] يطير بعضها إلى بعض ، حتى كانت أجسادا من عظام ، ثم أوحى الله إليه; أن ناد : يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما .
فاكتست لحما ، ودما ، وثيابها التي ماتت فيها .
ثم قيل له : ناد .
فنادى : أيتها الأجساد ، إن الله يأمرك أن تقومي .
فقاموا .
قال أسباط : فزعم منصور ، عن مجاهد ، أنهم قالوا حين أحيوا : سبحانك ربنا ، وبحمدك ، لا إله إلا أنت .
فرجعوا إلى قومهم أحياء ، يعرفون أنهم كانوا موتى ، سحنة الموت على وجوههم ، لا يلبسون ثوبا إلا عاد كفنا دسما ، حتى ماتوا لآجالهم التى كتبت لهم .
وعن ابن عباس; أنهم كانوا أربعة آلاف .
وعنه : ثمانية آلاف .
وعن أبي صالح : تسعة آلاف .
وعن ابن عباس أيضا : كانوا أربعين ألفا .
وعن سعيد بن عبد العزيز : كانوا من أهل " أذرعات " .
وقال ابن جريج ، عن عطاء : هذا مثل .
يعني أنه سيق مثلا مبينا أنه لن يغني حذر من قدر .
وقول الجمهور أقوى; أن هذا وقع .
وقد روى الإمام أحمد وصاحبا " الصحيح " من طريق الزهري ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث [ ص: 283 ] بن نوفل ، عن عبد الله بن عباس ، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ ، لقيه أمراء الأجناد ، أبو عبيدة بن الجراح ، وأصحابه ، فأخبروه أن الوباء وقع بالشام ، فذكر الحديث .
يعني في مشاورته المهاجرين والأنصار ، فاختلفوا عليه ، فجاءه عبد الرحمن بن عوف ، وكان متغيبا ببعض حاجته ، فقال : إن عندي من هذا علما; سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه ، وإذا سمعتم به بأرض; فلا تقدموا عليه فحمد الله عمر ثم انصرف .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ويزيد المعنى قالا : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سالم ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم ، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه قال : فرجع عمر من الشام .
وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري ، بنحوه .
قال محمد بن إسحاق : ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ، ثم إن الله قبضه إليه ، فلما قبض نسي بنو إسرائيل عهد الله إليهم ، وعظمت [ ص: 284 ] فيهم الأحداث ، وعبدوا الأوثان ، وكان في جملة ما يعبدونه من الأصنام ، صنم يقال له : بعل .
فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران .
قلت : وقد قدمنا قصة إلياس تبعا لقصة الخضر; لأنهما يقرنان في الذكر غالبا ، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة " الصافات " فتعجلنا قصته لذلك .
والله أعلم .
قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال : ثم تنبأ فيهم بعد إلياس ، وصيه اليسع بن أخطوب ، عليه السلام .