المبنى.[76] في عام 1498 كان برناردو بونسينوري آخر زائر غربي لآيا صوفيا يُبلغ عن رؤيته للطابق الجستيني القديم، فبعد ذلك بوقت قصير، غُطيت الأرضية بالسجاد ولم يُرى مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر.[76] في القرن السادس عشر، أحضر السلطان سليمان القانوني (حكم من عام 1520 إلى عام 1566) شمعتين صخمتين من غزوه لمملكة المجر ووضعهما على جانبي المحراب. خلال فترة حكم سليمان القانوني، غُطِّيَت الفسيفساء الموجودة فوق الباب الإمبراطوري والتي تصور يسوع ومريم العذراء والعديد من الأباطرة البيزنطيين بالجص، وقد أُزيل الغطاء -لاحقًا- في عهد الجمهورية التركية عام 1930.[119] في عهد سليم الثاني (حكم من عام 1566 إلى عام 1574) ظهرت علامات التداعي على المبنى، فقاموا بتعزيزه بشكل كبير بإضافة دعامات هيكلية إلى الخارج من قِبل المهندس المعماري العثماني سنان، والذي كان أيضًا مهندس زلازل.[120] وبالإضافة إلى تعزيز الهيكل البيزنطي التاريخي، بنى سنان المئذنتين الكبيرتين الإضافيتين في الطرف الغربي من المبنى، ونُزُل السلطان الأصلي وضريح سليم الثاني إلى الجنوب الشرقي من المبنى بين الأعوام 1576 إلى 1577. وللقيام بذلك، هُدم أجزاء من البطريركية في الزاوية الجنوبية من المبنى.[76] علاوة على ذلك، قام بتركيب الهلال الذهبي على قمة القبة،[76] في حين استُحدثت منطقة بعرض 35 أرسين (حوالي 24 م) حول المبنى، مما أدى إلى هدم جميع المنازل التي كانت متداخلة حولها في هذه الأثناء.[76] وفي وقت لاحق، أُضيفت 43 مقبرة تضم رفات الأمراء العثمانيين. وأضيفت خلال عهد مراد الثالث (حكم من عام 1574 إلى 1595) جرتين كبيرين من المرمر الهيليني تم نقلهما من بيرغامون (برجاما) ووضعهما على جانبين من صحن المبنى.[76]
نافورة (adırvan) للوضوء
في عام 1594 (1004 هـ) قام المعماري داوود آغا ببناء ضريح مراد الثالث، حيث دفن فيه لاحقًا السلطان ووالدته صفية سلطان.[76] وفي عام 1608 (1017 هـ) بنى المهندس المعماري الملكي دالجاك محمد آغا بجواره ضريح ابنهم محمد الثالث (حكم: 1595-1603) ووالدته.[121] أما ابنه مصطفى الأول (حكم: 1617-1618، 1622–1623) فقد حول مكان المعمودية إلى قبر له.
في عام 1717، في عهد السلطان أحمد الثالث (حكم: 1703-1730)، قاموا بتجديد الجص المتهالك من الداخل، مما ساهم بشكل غير مباشر في الحفاظ على العديد من الفسيفساء.[121] أمر السلطان محمود الأول بترميم المبنى عام 1739، وأضاف مدرسة إسلامية (مدرسة قرآنية، وصارت لاحقًا مكتبة المتحف)، وأضاف مطعم للفقراء (مطبخ الحساء لتوزيعها على الفقراء)، ومكتبة، وفي عام 1740 أُضيفت Şadirvan (نافورة للوضوء)، وبالتالي جري تحويله إلى «كلية»، أي مجمع اجتماعي. وفي الوقت نفسه جرى بناء نُزُلًا جديدًا للسلطان ومحرابًا جديدًا في الداخل.
نُزُل السلطان (1850)
تجديد المبنى (1847 - 1849)
عدل
أمر السلطان عبد المجيد الأول (حكم: 1823-1861) بتجديد المبنى، فقام ثمانمائة عامل بين عامي 1847 و1849 بإنجاز العمل، تحت إشراف الأخوين المعماريين السويسريين الإيطاليين غاسباري وجوزيبي فوساتي. قام الأخوان بتقوية القبة بسلسلة حديدية تقييدية وتقوية الأقبية وتقويم الأعمدة وتعديل الزخارف الخارجية والداخلية للمبنى.[122] وكُشفت الفسيفساء الموجودة في الرواق العلوي وجرى تنظيفها. وعُلِّقت ثمانية أقراص أو رصائع جديدة عملاقة ذات إطارات دائرية، على كل من الأعمدة الأربعة وعلى جانبي الحنية والأبواب الغربية. رسمها الخطاط قاضي عسكر مصطفى عزت أفندي (1801-1877)، واحتوت تلك الأقراص على: لفظ الجلالة الله، واسم النبي محمد، وأسماء الخلفاء الراشدين الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وحفيدي النبي محمد: الحسن والحسين ابنا علي. وجرى استبدال الثريات القديمة بأخرى جديدة معلقة.
في عام 1850 بنى المهندسان المعماريان فوساتي مقصورة جديدة أو مقصورة الخلافة في أعمدة بيزنطية جديدة وشبكة رخامية على الطراز العثماني على الطراز الروكوكو، متصلة بالجناح الملكي خلف المسجد.[122] بُنيت المقصورة الجديدة في أقصى الطرف الشرقي من الممر الشمالي، بجوار الرصيف الشمالي الشرقي. هُدمت المقصورة الموجودة في الحنية قرب المحراب. وشُيد مدخل جديد للسلطان (محفل السلطان) (بالتركية: Hünkar Mahfili). كما قام الأخوان فوساتي بترميم المنبر والمحراب.
خارج المبنى الرئيسي قاموا بترميم المآذن وتعديلها لتكون متساوية الارتفاع.[123] وأُقيم مبنى الساعة، (بالتركية: Muvakkithanesi) لاستخدامه لمعرفة مواقيت الصلاة، وأُقيمت مدرسة جديدة (مدرسة إسلامية) (بالتركية: Kasr-ı Hümayun).[122] عند الانتهاء من الترميم أعيد افتتاح المسجد باحتفالية كبيرة بها الكثير من الأبهة في 13 يوليو 1849. نُشرت في لندن عام 1852 طبعة من المطبوعات الحجرية والرسومات التي أُضيفت أثناء تجديد آيا صوفيا، بعنوان: آيا صوفيا من القسطنطينية كما تم ترميمها مؤخرًا بأمر من السلطان عبد المجيد.
ترميمات آيا صوفيا. (مطبوعات حجرية بواسطة لويس هاجي)
القبة الرئيسية.
في عام 1935 قام مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، بتحويل المبنى إلى متحف. فأُزيل السجاد وظهرت الزخارف الأرضية الرخامية مثل الأومفيليون التي أُخفيت لقرون، كما أُزيل الجص الأبيض الذي كان يغطي العديد من الفسيفساء المسيحيَّة. ومع ذلك، تدهورت حالة المبنى، ووضع صندوق الآثار العالمي آيا صوفيا في عام 1996 ضمن قائمة مراقبة الآثار العالمية، ومرة أخرى في عام 1998. وكان السقف النحاسي للمبنى قد تصدع، مما تسبب في تسرب المياه فوق اللوحات الجدارية والفسيفساء الهشة. وأدّى ارتفاع المياه الجوفية لزيادة مستوى الرطوبة داخل المتحف، وخلق بيئة غير مستقرة للحجر والطلاء. حصلت مؤسسة صندوق الآثار العالمي على سلسلة من المنح من عام 1997 إلى عام 2002 لترميم القبة. تضمنت المرحلة الأولى من العمل التثبيت الهيكلي وإصلاح السقف المتصدع، والذي جرى بمشاركة وزارة الثقافة التركية. أتاحت المرحلة الثانية، الحفاظ على المناطق الداخلية للقبة، فرصة لتوظيف وتدريب المرممين الأتراك الشباب على رعاية الفسيفساء. بحلول عام 2006 كان مشروع صندوق الآثار العالمي قد اكتمل، على الرغم من أن العديد من مناطق آيا صوفيا الأخرى لا تزال تتطلب تحسيناً كبيراً في الاستقرار والترميم والحفظ.[124]
رغم حظر استخدام المبنى للعبادة (مسجد أو كنيسة)،[125] سمحت الحكومة التركية عام 1991 بتخصيص غرفة صغيرة في المتحف لاستخدامها «غرفة صلاة» لصلاة الموظفين المسيحيين والمسلمين العاملين في المتحف،[126] ومنذ عام 2013 سُمح برفع الآذان من اثنتين من مآذن المتحف للدعوة للصلاة يوميًا.[127]
في عام 2007 أسس السياسي الأمريكي اليوناني كريس سبيرو منظمة دولية سُميت «مجلس آيا صوفيا الحر» للدعوة لإعادة المبنى إلى حالته الأصلية أي كنيسة مسيحية.[128][129][130] في حين ظهر منذ أوائل عام 2010 مطالبات من العديد من الحملات والمسؤولين الحكوميين الأتراك البارزين، ولا سيما نائب رئيس الوزراء التركي بلند أرينج في نوفمبر 2013، لإعادة آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى.[131][132][133]
في 31 مايو 2014م نظمت جمعية «شباب الأناضول» فعالية لأداء صلاة الفجر في ساحة المسجد تحت شعار «أحضر سجادتك وتعال»، وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد.[134] وكانت الجمعية قد ذكرت أنها قامت بجمع 15 مليون توقيع للمطالبة بإعادة المتحف إلى مسجد.[135] إلا أن مستشار رئيس الوزراء -آنذاك- قد صرح بأنه لا نية لتغيير الوضع الحالي لآيا صوفيا.
في عام 2015 ورداً على اعتراف البابا فرنسيس بالإبادة الجماعية للأرمن، صرَّح مفتي أنقرة، ميفيل هيزلي، أنه يعتقد أن على الحكومة التركية تسريع تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.[136][137]
في 1 يوليو 2016، أقام المُسلمون الصلاة في آيا صوفيا للمرة الأولى منذ 85 عاماً.[138] وفي نوفمبر من نفس العام، رفعت المنظمة التركية غير الحكومية، جمعية حماية الآثار التاريخية والبيئة، دعوى قضائية لتحويل المتحف إلى مسجد.[139] وقررت المحكمة آنذاك أن آيا صوفيا يجب أن يبقى «متحفًا تذكاريًا».[140]
في 13 مايو 2017، اجتمعت مجموعة كبيرة من الناس، في وقفة نظمتها «جمعية شباب الأناضول» أمام آيا صوفيا، وأدوا صلاة الفجر في دعوة لتحويل المتحف إلى مسجد.[141] وفي 21 يونيو عام 2017 نظمت رئاسة الشؤون الدينية التركية برنامجاً خاصاً، تضمن تلاوة القرآن والصلاة في آيا صوفيا، بمناسبة ليلة القدر، وبُثَّ البرنامج مباشرة عبر قناة تي آر تي الحكومية.[142]
إعادته مسجدًا (2018 - الآن)
عدل
منذ عام 2018 تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إعادة وضع آيا صوفيا إلى مسجد، وهي خطوة يُنظر إليها على أنها تحظى بشعبية كبيرة من قبل الجمهور المتدين الذي يحاول أردوغان إقناعه للتصويت له.[143] في 31 مارس عام 2019 قام أردوغان بتلاوة أول آية من القرآن في آيا صوفيا، ووجه الدعاء إلى «"أرواح جميع الذين تركوا لنا هذا العمل كميراث، وخاصةً الفاتح في إسطنبول"»، مما عزز الحركة السياسية لجعل آيا صوفيا مسجدًا مرة أخرى، الأمر الذي يعكس ما قام به أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف علماني. قال أردوغان أنه سيغير وضع آيا صوفيا من متحف إلى مسجد،[144] مضيفاً أن تحويله إلى متحف «خطأ كبير جدًا».[145] ولكونه ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، يتطلب هذا التغيير موافقة لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو.[146]
في مايو 2020 احتفلت الحكومة بمرور 567 عامًا على فتح القسطنطينية بالصلاة في آيا صوفيا، وأعلن أردوغان أنه سيجري قراءة الفاتحة والصلاة في آيا صوفيا ضمن الاحتفال بالفتح. أدانت اليونان هذا الإجراء، في حين اتهمت تركيا اليونان بالرد عبر «تصريحات عقيمة وغير فعالة».[147] في يونيو، قال رئيس الشؤون الدينية التركية «سنكون سعداء للغاية بفتح آيا صوفيا للعبادة.. وإذا حدث ذلك فسوف نقدم خدماتنا الدينية كما نفعل في جميع مساجدنا». في 25 يونيو، كتب جون هالدون، رئيس الجمعية الدولية للدراسات البيزنطية، رسالة مفتوحة إلى أردوغان يطلب فيها منه «التفكير في قيمة الحفاظ على آيا صوفيا كمتحف».[148]
وفي 10 يوليو 2020 وافقت المحكمة الإدارية العليا التركية على قرار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد وبهذا ألغي قرار تحويله إلى متحف وأصبح مسجدًا بشكل رسمي.[149] وبذلك تعتبر آيا صوفيا هي رابع كنيسة بيزنطية تحولت من متحف إلى مسجد أثناء حكم أردوغان.[150] على الرغم من الانتقادات العلمانية التركية والعالمية، وقَّعَ أردوغان مرسومًا بإنفاذ قرار المحكمة وإبطال حالة متحف آيا صوفيا وفتحه مسجدًا.[151] في 17 يوليو، أعلن أردوغان أن الصلاة الأولى في آيا صوفيا ستكون مفتوحة لما بين 1000 و1500 مصلي، وكرر أن هذا الأمر مسألة سيادة تركيا وأن رد الفعل الدولي لن يثنيه.[152] دعت تركيا قادة ومسؤولين أجانب، بمن فيهم البابا فرنسيس،[153] لحضور الصلاة الأولى التي أقيمت يوم الجمعة 24 يوليو 2020، في آيا صوفيا.[154]
عندما أعلن الرئيس أردوغان أن الصلاة ستقام داخل المبنى في 24 يوليو، أضاف أنه «مثل جميع مساجدنا، ستفتح أبواب آيا صوفيا على مصراعيها للسكان المحليين والأجانب، المسلمين وغير المسلمين». وقال المتحدث باسم الرئاسة، إبراهيم قالين، إنه سيتم الحفاظ على أيقونات وفسيفساء المبنى، وأنه «فيما يتعلق بحجج العلمانية والتسامح الديني والتعايش، فهناك أكثر من أربعمائة كنيسة ومعبد يهودي مفتوح في تركيا اليوم».[155] وقال عمر جيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، في 13 يوليو أن الدخول إلى آيا صوفيا سيكون مجانيًا ومفتوحًا لجميع الزوار خارج أوقات الصلاة، حيث سيتم عرض الصور المسيحية في فسيفساء المبنى التي تُغطى بستائر أو أشعة الليزر أثناء الصلاة فقط.[156] ورداً على انتقادات البابا فرانسيس، قال جيليك إن البابوية كانت مسؤولة عن أكبر قدر من عدم الاحترام للموقع، فخلال الحملة الصليبية الرابعة للروم الكاثوليك في القرن الثالث عشر للقسطنطينية والإمبراطورية اللاتينية، قد نُهبت خلالها الكاتدرائية. صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لـ TRT Haber في 13 يوليو أن الحكومة فوجئت برد فعل اليونسكو، قائلاً: «علينا حماية تراث أسلافنا. يمكن أن تكون ذلك بهذه الطريقة أو بهذه الطريقة - لا يهم».[157]
قال المتحدث باسم الرئاسة التركية أن المبنى سيصبح مسجداً عاملاً مفتوحًا لأي شخص كالكنائس الباريسية مثل كنيسة الساكري كور في مونمارتر وكاتدرائية نوتردام دو باري، وقال المتحدث أيضاً أن التغيير لن يؤثر على وضع آيا صوفيا كموقع للتراث العالمي لليونسكو، وأن «الرموز المسيحية» بداخله ستكون في حماية.[143] وفي وقت سابق من اليوم نفسه، وقبل القرار النهائي، أعرب وزير المالية التركي بيرات البيرق ووزير العدل عبد الحميد جول عن توقعاتهما بفتح آيا صوفيا للعبادة للمسلمين.[158][159] وقال مصطفى شنطوب رئيس الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا «لقد انتهى الشوق في قلب أمتنا».[158] وقال متحدث رئاسي أن جميع الأحزاب السياسية في تركيا أيدت قرار أردوغان؛[160] في حين أن حزب الشعوب الديمقراطي كان قد أصدر سابقاً بياناً يدين القرار، قائلاً «لا يمكن اتخاذ القرارات المتعلقة بالتراث البشري على أساس الألعاب السياسية التي تلعبها الحكومة».[161] قال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلي، إنه يؤيد التحويل «طالما أنه يُفيد تركيا»، مضيفاً أنه قال دائماً أنَّ آيا صوفيا هو مسجد منذ 1453.[162] هاجم وزير الاقتصاد السابق علي باباجان سياسة حليفه السابق أردوغان، قائلاً إن قضية آيا صوفيا «لم توضع على جدول الأعمال الآن إلا للتغطية على مشاكل أخرى».[163] استنكر أورهان باموك، الروائي التركي الحائز على جائزة نوبل في الأدب، هذه الخطوة قائلًا: «لقد غيّر كمال أتاتورك... آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، لتكريم جميع الروم الأرثوذكس والتاريخ الروماني الكاثوليكي السابق، مما يجعلها علامة على العلمانية التركية الحديثة».[164]
في 22 يوليو 2020، فُرشت سجادة باللون الفيروزي لتجهيز المسجد للمصلين. وحضر الشيخ علي أرباش، رئيس الشؤون الدينية التركية تركيبها.[163] وتركت «السرة» مكشوفة. وبسبب جائحة كورونا، قال أرباش إن آيا صوفيا سيستوعب ما يصل إلى 1000 مصلٍ في وقت واحد وطلب منهم إحضار «أقنعة وسجادة صلاة والصبر والتفاهم». افتتح المسجد لأداء صلاة الجمعة في 24 يوليو، وهو اليوم الذي يوافق الذكرى 97 لتوقيع معاهدة لوزان، والتي عكست بعد انتصار الجمهورية في حرب الاستقلال التركية الخسائر الإقليمية في الحرب العالمية الأولى ومعاهدة سيفر.[165] غُطيت فسيفساء العذراء والطفل في الحنية بالستائر البيضاء.[164] وألقى أرباش خطبة الجمعة، مستندًا على سيف الفاتح، مُعلنًا أن «السلطان محمد الفاتح قد أوقف هذا البناء الرائع للمؤمنين ليظل مسجدًا حتى يوم القيامة». حضر أردوغان وبعض وزراء الحكومة صلاة الجمعة حيث صلى العديد من المصلين في الخارج.
جاء افتتاح المبنى مجددًا للصلاة، وإقامة صلاة الجمعة لأول مرة منذ 86 سنة، وسط إجراءات وتدابير وقائية للحيلولة دون تفشي وباء كورونا، فأُنشأت 17 نقطة صحية تضم كادرًا طبيًا مكونا من 736 شخصًا، و100 سيارة إسعاف ومروحية، في الوقت الذي اكتظت فيه ساحة المسجد بالمصلين والصحفيين.[166]
ردود الفعل الدولية
عدل
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال تعرضت الخطوة التركية في تحول آيا صوفيا إلى مسجد لانتقادات واسعة من قبل المؤرخين والباحثين.[167] وأعلنت الرابطة الدولية للدراسات البيزنطية أن المؤتمر الدولي الحادي والعشرين، المقرر عقده في إسطنبول عام 2021، لن يُعقد هناك بعد الآن، وسيؤجل إلى عام 2022.[148] في القدس الشرقية، نُظّمَ احتجاج خارج القنصلية التركية في 13 يوليو، مع حرق العلم التركي وعرض العلم اليوناني والبيزنطي للكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.[168] وأدانت وزارة الخارجية التركية في بيان حرق العلم قائلة «لا أحد يستطيع أن يحرق علمنا المجيد أو يتعداه».[169] وفي سوريا بدأت أعمال لبناء نسخة مصغرة من كنيسة آيا صوفيا في مدينة السقيلبية بمحافظة حماة، بإشراف من بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس ودعم من الحكومة والكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، وذلك بمثابة رد رمزي على قرار تركيا بتحويل آيا صوفيا لمسجد.[170]
يونسكو: عقب قرار الحكومة التركية، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) أنها «تأسف بشدة» للتحويل «الذي تم بدون مناقشة مسبقة»، وطلبت من تركيا «فتح حوار دون تأخير»، مشيرة إلى أن عدم التفاوض «مؤسف».[171] كما حذرت المنظمة من عواقب تغيير حالة متحف آيا صوفيا المسجّل على قائمة التراث العالمي وأشارت إلى وجوب أن يخضع ذلك لمراجعة من لجنة التراث العالمي التابعة للمنظمة لما يترتب عليه من التزامات قانونية. وقد دعَت المنظمة تركيا للدخول في حوار قبل اتخاذ قرارها وأن تبلغها بأي تغيير لوضع آيا صوفيا وأضافت أن «الدولة يجب أن تضمن عدم تقويض القيمة العالمية الفريدة للمعالم المسجلة الموجودة على أراضيها».[172] قال إرنستو أوتوني، مساعد المدير العام للثقافة في اليونسكو «من المهم تجنب أي إجراء تنفيذي، دون مناقشة مسبقة مع اليونسكو، من شأنه أن يؤثر على الوصول المادي إلى الموقع، أو هيكل المباني، أو الممتلكات المنقولة للموقع، أو الموقع الإدارة».[171] وقال بيان اليونسكو الصادر في 10 يوليو «تم تقاسم هذه المخاوف مع جمهورية تركيا في عدة رسائل، ومساء أمس مع ممثل الوفد التركي دون رد».[171]
الكنائس المسيحية
عدل
Coat of Arms of the Ecumenical Patriarchate Constantinople (St. George's Cathedral, Istanbul).svg بطريركية القسطنطينية المسكونية: قبل أيام من اتخاذ القرار النهائي بشأن التحويل، ذكر بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس الأول في خطبة أن «تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيخيب آمال ملايين المسيحيين حول العالم»، كما قال أنَّ آيا صوفيا والتي كانت «مركزاً حيوياً حيث يحتضن الشرق مع الغرب»، «سوف يكسر هذين العالمين» في حالة التحول.[173][174] ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال فقد نأت النخب التركية المسيحيَّة والطوائف المسيحية في تركيا نفسها عن التصريح حول تحول آيا صوفيا إلى مسجد - باستثناء البطريرك برثلماوس الأول -، بسبب إرث وذاكرة الإبادة الجماعيَّة والتهجير الذي حصل بحقهم خلال القرن العشرين، وبسبب الخوف من معاداة المسيحية المتصاعدة في المجتمع التركي في العقود الأخيرة.[167]
Monogram Patriarchy Moskiewskiego i całej Rusi, Cyryla..svg الكنيسة الروسية الأرثوذكسية: انتقد بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كيريل الأول تحويل آيا صوفيا لمسجد قائلًا «تهديد آيا صوفيا [هو] تهديد لكل الحضارة المسيحية».[175][176][177]
شعار مجلس الكنائس العالمي.gif مجلس الكنائس العالمي: أدان المجلس الذي يقول أنه يمثل 500 مليون مسيحي من 350 طائفة، قرار تحويل المبنى إلى مسجد، واصفًا القرار بأنه «دليل على الانقسام والتفرد في اتخاذ القرار، وهو ما يقوض الجهود المبذولة لتقريب أتباع الأديان المختلفة من بعضها البعض»؛[178] كما حث مجلس الكنائس العالمي رئيس تركيا أردوغان على «إعادة النظر في» قراره و«عكسه من أجل تعزيز التفاهم المتبادل والاحترام والحوار والتعاون وتجنب تنمية العداوات والانقسامات القديمة».[179][180]
الفاتيكان في تلاوة صلاة الأحد في ميدان القديس بطرس في 12 يوليو انتقدَ البابا فرنسيس إعادة آيا صوفيا إلى مسجد قائلًا: «يتجه فكري إلى إسطنبول وأفكر في آيا صوفيا وأشعر بالألم البالغ».[181]
Coat of Arms of the Maronite Patriarchate.svg الكنيسة المارونية: قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي «لقد صدمَنَا مرسوم رئيس جمهوريَّة تركيا بتحويل متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، بعد أن كان متحفًا افتتحه الرَّئيس أتاتورك في تشرين الثاني 1934»، وأضاف «هذا القرار الذي واجهَتْه انتقاداتٌ عالميَّةٌ يؤكّد بالمقابل قيمة لبنان - العيش المشترك حيث الاحترام المتبادل بين المسيحيِّين والمسلمين في الدِّين والثَّقافة والعقائد ودور العبادة».[182]
العالم الغربي
عدل
الاتحاد الأوروبي: أدان الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قرار تركيا ودعاها للحفاظ على المعلم الأثري،[183] وقال إن «حكم مجلس الدولة التركي بإبطال أحد القرارات التاريخية لتركيا الحديثة، وقرار الرئيس أردوغان بوضع هذا الأثر تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية، مؤسفان».[184] وأصدر بياناً وصف فيه قرارات مجلس الدولة التركية وإردوغان بأنها "مؤسفة" وأشار إلى أنه "كعضو مؤسس لتحالف الحضارات "لقد التزمت تركيا بتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات وتعزيز التسامح والتعايش".[185] وفقًا لبوريل أدان وزراء خارجية الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي القرار التركي لتحويل مثل هذا النصب التذكاري مثل آيا صوفيا إلى مسجد في اجتماع يوم 13 يوليو. قائلًا أنه "سيغذي حتمًا انعدام الثقة، ويشجع على تجدد الانقسام بين الطوائف الدينية ويقوض جهودنا في الحوار والتعاون" و" كان هناك دعم واسع لدعوة السلطات التركية إلى إعادة النظر على وجه السرعة وإلغاء هذا القرار".[186][187]
الولايات المتحدة: أفادت وزارة الخارجية الأمريكية بأنها تشعر «بخيبة أمل» إثر قرار أنقرة تحويل معلم آيا صوفيا إلى مسجد مفتوح للصلاة.[188]
فرنسا: أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن فرنسا تأسف للقرار التركي بتحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد.[189]
اليونان: انتقدت اليونان قرار تغيير متحف وكنيسة آيا صوفيا إلى مسجد واعتبرت ذلك استفزازاً علنياً للمجتمع الدولي.[190] ووصفت وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني الخطوة التركية بأنها «استفزاز مفتوح للعالم المتحضر» والذي «يؤكد تماماً عدم وجود عدالة مستقلة» في تركيا أردوغان، وأنها «تعيد بلاده إلى الوراء ستة قرون».[143] وطالبت اليونان وقبرص بفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على تركيا.[191]
ألمانيا: قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت: «آيا صوفيا لها أهمية تاريخية ثقافية كبيرة، ولها أهمية دينية كبيرة، سواء بالنسبة للمسيحية أو الإسلام، ونحن نضع أهمية كبيرة على هذا الحوار بين الأديان» وأشار إلى أنه «كان يجب التشاور مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) حول تغيير وضع موقع مدرج على قائمة التراث الثقافي العالمي».[192]
النمسا: دعا وزير الخارجية النمساوي الاتحاد الأوروبي لتغيير سياساته تجاه تركيا واتخاذ مواقف حازمة تجاهها قائلًا إنها «لم تعد شريكًا موثوقًا به» ووصف تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بأنه «أحدث حلقة في سلسلة من الاستفزازات» التي تنتهجها الحكومة التركية.[193]
روسيا قال فلاديمير دزاباروف، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الاتحاد الروسي، أنَّ الخطوة «لن تفعل أي شيء للعالم الإسلامي. فهي لا تجمع الدول، بل على العكس تصطدم بها»، ووصف الخطوة بأنها «خطأ».[194] بينما أشار سيرغي فيشينين نائب وزير الخارجية الروسية إلى أن تحويل آيا صوفيا لمسجد «شأن تركي داخلي» قائلًا «ننطلق من حقيقة أننا نتحدث عن الشؤون الداخلية لتركيا، والتي بطبيعة الحال لا ينبغي لنا ولا الآخرين التدخل فيها، لكن في الوقت نفسه نلفت الانتباه إلى أهمية هذا المعلم بالنسبة للثقافة والحضارة العالمية».[39]
إيطاليا: نظم نائب رئيس الوزراء الإيطالي السابق، ماتيو سالفيني، مظاهرة احتجاجية خارج القنصلية التركية في ميلانو، داعياً إلى إنهاء جميع خطط انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي «إلى الأبد».[156]
العالم الإسلامي
عدل
مصر: قال مفتي دار الإفتاء المصرية أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد «لا يجوز شرعًا» وأضاف أن «الرسول عليه السلام كان دائمًا يوصي في الحروب بعدم هدم المعابد أو قتل الرهبان.. ودور العبادة خصوصية من خصوصيات العقيدة التي يتبناها الإنسان، ولابد من احترامها والحفاظ عليها».[195]
قبرص الشمالية: رحب إرسين تاتار، رئيس وزراء الجمهورية التركية لشمال قبرص المعترف بها فقط من قبل تركيا، بالقرار ووصفه بأنه «سليم» و«مرضي».[33][194] كما انتقد حكومة قبرص، قائلًا أن «الإدارة القبرصية اليونانية، التي أحرقت مساجدنا، لا ينبغي أن يكون لها رأي في ذلك».[33]
إيران: رحبت وزارة الخارجية الإيرانية من خلال المتحدث باسمها بالتغيير، قائلة إن القرار «قضية يجب اعتبارها جزءاً من السيادة الوطنية لتركيا» و«شأن تركيا الداخلي».[32]
Flag of Maghreb.svg اتحاد المغرب العربي: أعرب اتحاد المغرب العربي عن دعمه للخطوة التركية.[34]
الإخوان المسلمون: أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأييدها للخطوة.[34]
حركة حماس: وصف متحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الحكم بأنه «لحظة فخر لجميع المسلمين».[35]
باكستان: رحب السياسي الباكستاني تشودري برويز إلاهي من الرابطة الإسلامية الباكستانية بالحكم، قائلًا أنه «لا يتوافق فقط مع رغبات شعب تركيا ولكن مع العالم الإسلامي بأسره».[36]
جنوب أفريقيا: أشادت مجموعة مجلس القضاء الإسلامي في جنوب أفريقيا بهذه الخطوة ووصفتها بأنها «نقطة تحول تاريخية».[37]
موريتانيا: كانت هناك صلوات واحتفالات شملت ذبح جمل في نواكشوط عاصمة موريتانيا.[38]
عمان: هنأ مُفتي سلطنة عمان أحمد الخليلي الشعب التركي ورئيسها رجب طيب أردوغان بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ووصفها بالخطوة المُوفقة والشجاعة، وأضاف «بأن تمضي إلى الأمام وأن لا تلتفت إلى المُتآمرين على الإسلام».[31]
ماليزيا انتقد عبد الهادي أوانج مواقف الدول الغربية حول قرار تركيا، قائلًا أنها «لا تزال غارقة في الإسلاموفوبيا التي اختلقتها»، وأضاف «هذه الدول التزمت الصمت حيال مخططات إسرائيل لهدم المسجد الأقصى في القدس».[196]
لبنان انتقد عدد من الإعلاميين والسياسيين وأعضاء مجلس النواب اللبناني قرار تحويل آيا صوفيا لمسجد، وقال النائب وهبي قاطيشا «تركيا ليست بحاجة إلى إضافة مسجد (آيا صوفيا) إلى عشرات الآلاف من المساجد فوق أراضيها؛ هي بحاجة إلى انفتاح رئيسها على حضارات العالم».[197]
الرد التركي
عدل
عندما أعلن الرئيس أردوغان أن صلاة المسلمين الأولى ستقام داخل المبنى في 24 يوليو، أضاف أنه «مثل جميع مساجدنا، ستكون أبواب آيا صوفيا مفتوحة على نطاق واسع للسكان المحليين والأجانب والمسلمين وغير المسلمين». قال المتحدث الرئاسي إبراهيم قالين إنه سيتم الحفاظ على أيقونات وفسيفساء المبنى المسيحيَّة، وأنه «فيما يتعلق بحجج العلمانية والتسامح الديني والتعايش، هناك أكثر من أربعمائة كنيسة ومعبد مفتوح في تركيا اليوم».[198] وأعلن عمر جيليك، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، في 13 يوليو أن الدخول إلى آيا صوفيا سيكون مجانيًا ومفتوحًا لجميع الزوار خارج أوقات الصلاة، حيث سيتم تغطية الصور المسيحية والفسيفساء بالستائر أو أشعة الليزر خلال تأدية الصلوات الإسلامية فقط. ورداً على انتقادات البابا فرنسيس، قال جليك أن البابوية الكاثوليكية كانت مسؤولة عن أكبر عدم احترام للموقع، خلال الحملة الصليبية الرابعة على القسطنطينية والإمبراطورية اللاتينية، حيث تم نهب الكاتدرائية. قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 13 يوليو لقناة تلفازية تركية أن الحكومة فوجئت التركية برد فعل اليونسكو، قائلاً «علينا حماية تراث أجدادنا. يُمكن أن تكون الوظيفة بهذه الطريقة أو بطريقة أخرى - لا يهم».[199]
الرد اليوناني
عدل
في 14 يوليو، قال رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس أن حكومته «تدرس ردها على جميع المستويات» على ما أسماه «المبادرة الصغيرة غير الضرورية» لتركيا، وأنه «بهذا الإجراء المتخلف، تختار تركيا قطع الروابط مع العالم الغربي وقيمه».[200] وفيما يتعلق بكل من آيا صوفيا والمناطق البحرية بين قبرص وتركيا المتنازع عليها، دعى كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى فرض عقوبات أوروبية ضد تركيا، مشيراً إليها على أنها «مثيرة مشاكل إقليمية، والتي تتطور إلى تهديد لاستقرار منطقة جنوب شرق البحر الأبيض المتوسط بأكملها».[200] قالت دورا باكويانيس، وزيرة الخارجية اليونانية السابقة، إن تصرفات تركيا «تخطت الحدود»، وأنها نأت بنفسها عن الغرب.[201] في يوم إعادة افتتاح المبنى كمسجد، وصف كيرياكوس ميتسوتاكيس الحدث بأنه ليس عرضاً للقوة بل دليل على ضعف تركيا.