الحجاج وقتيبة والأسير
/ نوادر الأدباء
أمر الحجاج بقوم ممن خرج عليهم، فأمر بهم فضربت أعناقهم، وأقيمت صلاة المغرب وقد بقي من القوم واحد، فقال لقتيبة بن مسلم: انصرف به معك حتى تغدو به عليَّ.
قال قتيبة: فخرجت والرجل معي، فلما كنا ببعض الطريق قال لي: هل لك في خير؟ قلت: وما ذاك؟! قال إني والله ما خرجت على المسلمين ولا استحللت دماءهم، ولكن ابتليت بما ترى، وعندي ودائع وأموال، فهل لك أن تخلي سبيلي وتأذن حتى آتي أهلي
وأرد على كل ذي حق حقه، وأوصي، ولك عليَّ أن أرجع حتى أضع يدي في يدك؟! قال قتيبة: فعجبت له، وتضاحكت لقوله، فمضينا هنية ثم أعاد عليَّ القول، وقال: إني أعاهد الله لك على أن أعود إليك. قال قتيبة: فوالله ما ملكت نفسي حتى قلت له: اذهب. فلما توارى عني شخصه أسقط في يدي، فقلت: ماذا صنعت بنفسي؟! وأتيت أهلي مهمومًا مغمومًا، فسألوني عن شأني فأخبرتهم، فقالوا: لقد اجترأت على الحجاج، فبتنا بأطولِ
ليلةٍ، فلما كان عند أذان الغداة إذا بالباب يطرق، فخرجت فإذا أنا بالرجل، فقلت: أرجعت؟! قال: سبحان الله! جعلت لك عهد الله عليَّ فأخونك ولا أرجع؟! فقلت: أما والله إن استطعت لأنفعنك، وانطلقت به حتى أجلسته على باب الحجاج، ودخلت، فلما رآني، قال: يا قتيبة أين أسيرك؟ قلت: أصلح الله الأمير، بالباب، وقد اتفق لي معه قصة عجيبة، قال: ما هي؟ فحدثته الحديث، فأذن له فدخل، ثم قال: يا قتيبة، أتحب أن أهبه لك؟ قلت: نعم. قال: هو لك، فانصرف به معك. فلما خرجت به، قلت له: خذ أي طريق شئت، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: لك الحمد يا رب. وما كلمني بكلمة ولا قال
لي: أحسنت، ولا أسأت! فقلت في نفسي: مجنون والله! فلما كان بعد ثلاثة أيام جاءني، وقال لي: جزاك الله خيرًا، أما والله ما ذهب عني ما صنعت، ولكن كرهت أن أشرك مع حَمْدِ الله حَمْدَ أحدٍ.