#سلسلة_تاريخ_الأندلس
الحلقة (18).. عصر الإمارة الأموية في الأندلس
هشام الرضا
كان عبد الرحمن الداخل قد استقرَّ أمره على ابنه هشام خليفة له، فولاَّه العهد مع كونه أصغر من أخيه سليمان، فلقد كان أكفأ منه وأفضل، ولقد صدق حَدْسُه فيه؛ حيث كان الناس يُشبِّهونه بعد ذلك بعمر بن عبد العزيز في علمه وعمله وورعه وتقواه.
الفتنة بين أولاد عبد الرحمن الداخل
وكان هشام بن عبد الرحمن - هشام الرضا- بمَارِدَة عند موت أبيه، وقد عاد منها إلى قُرْطُبَة بعد ستة أيام من وفاة أبيه، فبايعه العوامُّ ورجال الدولة، وكان ذلك سنة 172هـ= 788م، وكان أخوه سليمان بطُلَيْطلَة، فلما علم سليمان بالأمر غضب، وأعلن الثورة على أخيه، وجهَّز بالفعل جيشًا توجَّه به لقتال أخيه في قُرْطُبَة، فخرج إليه هشام بن عبد الرحمن الداخل والتقيا في جَيَّان، ودارت بينهما حرب شديدة انتهت بهزيمة سليمان، ففرَّ عائدًا إلى طُلَيْطِلَة
وكان لهشام أخٌ آخر يُسَمَّى عبد الله، وكان هشام يُحسن معاملته، ولكن يبدو أن عبد الله قد طمع فيما هو أكثر من ذلك، ففرَّ إلى أخيه سليمان في طُلَيْطِلَة، فلمَّا علم هشام بالأمر أشفق على عبد الله فأرسل له مَنْ يَرُدُّه ويترضَّاه، إلاَّ أن الرسول لم يلحق به
ولم يبقَ أمام هشام إلاَّ أن يُبادر إلى أخيه سليمان -كما كان يفعل أبوه- قبل أن يبدأه سليمان -كما فعل من قبل- ويحاول هو مهاجمة قُرْطُبَة، وبالفعل خرج إلى طُلَيْطِلَة وحاصرها فترة، فحاول سليمان أن يستغلَّ الفرصة وفرَّ منها إلى قُرْطُبَة؛ ليستوليَ عليها في غياب أخيه، ولكن أهلها حاربوه، فحاول الاستيلاء على مَارِدَة؛ لأنها قريبة من قُرْطُبَة، ليستطيع تهديد قُرْطُبَة منها إلاَّ أن واليها استطاع ردَّه عن مَارِدَة، فهرب إلى مُرْسِيَة ثم إلى بَلَنْسِيَة، وأخوه يُطارده، فلمَّا دبَّ اليأس إلى نفسه، طلب الأمان، فأمنَّه وكان قد أمَّن عبد الله قبله، وتركهما يرحلان إلى بلاد الشمال الإفريقي
عهد هشام بن عبد الرحمن الداخل
وقد كان هشام بن عبد الرحمن الداخل –هشام الرضا- عالِمًا محبًّا للعلم، وقد أحاط نفسه –رحمه الله- بالفقهاء، وكان له أثر عظيم في بلاد الأندلس بنشره اللغة العربية فيها، وقد أخذ ذلك منه مجهودًا وافرًا وعظيمًا، حتى أصبحت اللغة العربية تُدرَّس في معاهد اليهود والنصارى داخل أرض الأندلس
ومن أبرز التغيرات الجوهرية التي تمَّت بالأندلس في عهد هشام انتشار المذهب المالكي فيها، وقد كانت البلاد من قبل ذلك على مذهب الإمام الأوزاعي
وكانت لهشام صولات وجولات كثيرة في الشمال مع الممالك النصرانية
وكان حازمًا شجاعًا شديدًا على الأعداء راغبًا في الفتح. فنظـّم الغزوات سنوياً، ضد مملكة أستورياس وجنوب فرنسا. ففي 791 سير جيشين هاجما طرفي المملكة، الأول هاجم أرابا بقيادة أبو عثمان عبيد الله والثاني إلى جليقية وانتصر على برموند الأول من أستورياس في معركة بوربية،مما تسبب في نزوله عن عرش أستورياس. وفي 792، هاجم عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث مدينة عرابة. وفي 793، غزا ماركا هيسپانيكا. ثم قاد عبد الملك غزوة جديدة حاصرة جيرونة ونربونة التابعين لكونتية تولوز، ملحقاً هزيمة بوليام من جلون في معركة اوربس.ثم عاد إلى سردانية. وفي 794، سيّر جيشين ألحقا دماراً كبيراً بمملكة أستورياس، بقيادة عبد الملك الذي هاجم عرابة مرة أخرى فدمرها، ولكن صده في اورانج (فرنسا) وليام من جلون، الكونت الفرنكي لتولوز وابن عم شارلمان. بينما قاد شقيقه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث الهجوم على قلب المملكة فينهزم ويلقى مصرعه في معركة لوتس.وقد نُهبت مدينة أبيط في تلك الغزوة. وفي 795 سيّر جيشين بقيادة عبد الملك، وفي 796 سيّر جيشاً بقيادة عبد الملك.
وقد بنى هشام عدة مساجد، وأتم بناء مسجد قرطبة، وكان يبعث إلى الولايات من يسأل عن سيرة عماله فيها فأحبه الناس لعدله وشبهوه بعمر بن عبد العزيز. ودعم المذهب المالكي، الذي يتسم بالمرونة.
وقد توفي هشام في قرطبة في أبريل 796 (180 هـ). وقد خلفه ابنه الحكم الأول.
في الحلقة القادمة ان شاء الله نواصل رحلتنا مع عصر الإمارة الأموية في الأندلس والحكم بن هشام المعروف في التاريخ ب (الحكم الربضي) .. انتظرونا ان كان في العمر بقية..
---------------------------------