#سلسلة_تاريخ_الأندلس
الحلقة (14).. ماذا بعد بلاط الشهداء؟
كان وقع ماحدث للمسلمين في بلاط الشهداء ، واشتشهاد قائدهم البطل عبد الرحمن الغافقي ، وارتداد المسلمين ورجوعهم وهم علي بعد مائة متر من العاصمة الفرنسية باريس ، كان وقع ذلك صادما ونزل الخبر كالصاعقة علي بلاط الخلافة في دمشق وعلي الخليفة هشام بن عبد الملك وخاصة ان المسلمين كانوا قد ارتدوا قبل ذلك بنحو اربعة عشر عام امام اسوار القسطنطينية وفشلوا في فتحهها ، ثم اصدر الخليفة هشام قرارا بان يتولي عبد الملك بن قطن ولاية الاندلس، وكان ذلك في رمضان وقيل: شوال عام 114هـ=732.
كان همُّ عبد الملك بن قطن تثبيت أمر المسلمين في المناطق الفرنسية، التي بدأت تتهاوى بعد بلاط الشهداء، وقد نجح في ذلك بعزمه، وبانفضاض سكان الجنوب عن الولاء لشارل مارتل -الذي كان يُعاملهم بظلم وعسف ويطلق فيهم يد جنوده- وبغزوات قائده في أرْبُونَة يوسف الفهري ومع جهاده هذا إلاَّ أنه كان ظلومًا جائرًا عنيفًا سيِّئ السياسة، فلم يجد والي إفريقية عبيد الله بن الحبحاب بُدًّا من عزله؛ بعد أن كثرت شكاوى الأندلسيين منه، فكان عزله في رمضان 116هـ=734م، بعد سنتين من ولايته الأولى
عقبة بن الحجاج 116-123هـ:
اختار عبيد الله بن الحبحاب لولاية الأندلس مجاهدًا فذًّا يُسَمَّى عقبة بن الحجَّاج السلولي -رحمه الله، الذي تولَّى من سنة 116هـ=734م إلى سنة 123هـ=741م
وقد خُيِّر عقبة بين إمارة إفريقية بكاملها كل الشمال الإفريقي وبين إمارة الأندلس، ففَضَّلَ إمارة الأندلس؛ لأنَّها أرض جهاد؛ لملاصقتها لبلاد النصارى قال ابن عذاري: «أقام عقبة بالأندلس بأحسن سيرة وأجملها، وأعظم طريقة وأعدلها». وقال المقَّرِي: «وَوَليَ عقبة بن الحجاج السَّلُولي من قِبَل عبيد الله بن الحبحاب، فأقام خمس سنين محمودَ السيرة، مجاهدًا مظفَّرًا
وقد قام عقبة بن الحجاج -رحمه الله- خلال سنوات إمارته السبع بأكثر من سبع حملات داخل فرنسا، وكان ينزل إلى الأسرى بنفسه يُعَلِّمهم الإسلام؛ حتى إنه أسلم على يديه ألف من الأسرى وقد قال رسول الله : «لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. فكيف بألفٍ؟!
بدأ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- يُعيد أمجاد الجهاد الإسلامي في بلاد فرنسا، فثبَّت أقدام المسلمين في بروفانس -جنوب شرقي فرنسا، وأقام فيها الرباطات واستولى عقبة على بلاد الدوفينيه -شرقي ليون، وفتح مدينة سان بول وفتح –رحمه الله- مدينة أرْبُونَة عاصمة مقاطعة سبتمانيا، وقرقشونة إحدى مدنها واتسعت فتوحات المسلمين حتى وصلت إلى مقاطعة بيدمونت بشمال إيطاليا
وواصل عقبة جهاده لإقرار الفتح في المدن الأندلسية لا سيما في الشمال الغربي في أرض جيليقية، التي لم تكن فُتحت حتى الآن، وبلغ في ذلك غاية ما يستطيع، إلاَّ أنه واجه -والحق يقال- بسالة نادرة، حتى ليروي صاحب «أخبار مجموعة» أنه «لم تبقَ في جيليقية قرية لم تُفتح غير الصخرة، فإنه لاذ بها ملك يقال له: بِلاي، فدخلها في ثلاثمائة رجل، فلم يزل يقاتلونه ويغاورونه حتى مات أصحابه جوعًا، وترامت طائفة منهم إلى الطاعة، فلم يزالوا ينقصون حتى بقي في ثلاثين رجلاً ليست معهم عُشْرة نَسوة فيما يقال، إنما كان عيشهم بالعسل، ولاذوا بالصخرة فلم يزالوا يتقوتون بالعسل معهم جِبَاح النحل عندهم في خروق الصخرة. وأعيا المسلمين أمرُهم، فتركوهم وقالوا: ثلاثون عِلْجًا ما عسى أن يكون أمرهم، واحتقروهم، ثم بلغ أمرهم إلى أمر عظيم»
ولقد ظلَّ عقبة بن الحجاج -رحمه الله- مجاهدًا حسن السيرة بين جنده إلى أن استشهد سنة 123هـ=741م ، وباستشهاده تكون قد انتهت الفترة الأولى من عهد الولاة.
وبعد ذلك نشب الصراع بين العرب والبربر.. ولم ينته الامر عند هذا الحد بل نشب الصراع ايضا بين العرب انفسهم في الاندلس ! بين قبيلتي اليمانية والقيسية بسبب صراعهم علي المناصب والنفوذ ..
وبعد ذلك اجتاحت البلاد مجاعة تسمى "خمسة سني برباط" أي خمس سنوات برباط وسمي بذلك بسبب هجرة كثير من المسلمين عن طريق وادي برباط إلى المغرب.
وايضا في ذلك الوقت بدء ما يسمي عند الاسبان بحركة الاسترداد المسيحي ، وكان المسلمون قد قاموا بفتح الأندلس كلها ما عدا أقصى الشمال الغربي المعروف باسم " صخرة بلاي pelayo" نسبة إلى بلاية والذي كان الساعد الأيمن للملك القوطي لوذريق فوقع بلاية في الأسر واستطاع الخلاص من الأسر في عهد الحر الثقفي سنة 128هـ وتنقل بين البلاد حتى استقر في بلدة كانجا دي أونيس والتف حوله القوط الهاربين من المسلمين واستهون المسلمون بأمرهم وتركوهم وشأنهم وانصرفوا إلى منازعاتهم الداخلية فمن عند هذه الصخرة انطلقت حروب النصاري ضد المسلمين والتي انتهت باسقاط الأندلس بعد نحو ثمانية قرون.
أسباب ما يسمي بحروب الاسترداد:
1. انقسام المسلمون على أنفسهم فدبت في صفوفهم عوامل الخلاف والفرقة .
2. ثورة البربر.
3. هجرة المسلمون من المناطق الجبلية الباردة في أقصى الشمال واستوطنوا الجنوب طلبا للخصب والدفء والحياة وبالتدريج احتل القوط الأراضي التي تركها المسلمون البربر.
النتائج:
1. كون النصاري كتلة قوية وتنبه المسلمون لهذا الخطر الجاثم بعد فوات الأوان .
2. استطاع بلاي الانتصار على جيوش المسلمين في معركة مغارة كوفا دونجا فقد تمكن من قتل ابن علقمة اللخمي وارتد المسلمون إلى أسترقة ويعتز الأسبان بهذه المعركة باعتبارها بداية موفقة لحركة المقاومة المسيحية.
3. نجح بلاي في تأسيس مملكة اشتوريش التي كانت إيذانا بميلاد الإمارات المسيحية في شمال الأندلس.وتكاثر عددهم واتسعت مملكتهم وعلى شأنهم على يد الملك الفونسو الأول.
في وسط كل هذه الاحداث والاجواء جاء سقوط الخلافة الأموية في دمشق اشبه بالضربة القاضية ، لأن الدولة الاموية كانت معروفة بأنها دولة الفتوحات وكان مجرد ذكر اسم خلفائها وقادتها يرهب الاعداء .. سقطت الدولة الأموية وبدا ان دولة الاسلام في الاندلس ستلحق بها وان ما تبقي امامها قبل ان يلتهمها النصاري هو شهور ان لم يكن ايام..
الا ان الله شاء ان يمد في عمر دولة الاسلام في الاندلس وان يكتب لها عمرا جديدا علي يد عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الاموي الشهير بعبد الرحمن الداخل ، او بلقب اكثر شهرة وهو صقر قريش ..
فمن هو عبد الرحمن هذا وكيف كتب الله علي يديه عمرا جديدا لدولة الاسلام في الاندلس .. هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة فتابعونا ان كان في العمر بقية..
---------------------------------