ليلى الناعطية:
وأما ليلى الناعطية، صاحبة الغالية من الشيعة، فإنها ما زالت ترقع قميصا لها وتلبسه، حتى صار القميص الرقاع، وذهب القميص الأول.
ورفت «2» كساءها ولبسته، حتى صارت لا تلبس إلا الرفو، وذهب جميع الكساء. وسمعت قول الشاعر:
إلبس قميصك ما اهتديت لجيبه ... فإذا أضلك جيبه فاستبدل
فقالت: «إني إذن لخرقاء. أنا، والله، أحوص «3» الفتق، وفتق الفتق، وأرقع الخرق، وخرق الخرق» .
وليد القرشي:
ومضيت أنا وأبو إسحاق النظام وعمرو بن نهيوي، نريد الحديث في الجبان «4» ، ولنتناظر في شيء من الكلام. فمررنا بمجلس وليد القرشي، وكان على طريقنا، فلما رآنا تمشى معنا. فلما جاوزنا الخندق، جلسنا في فناء حائط له ظل شديد السواد، بارد ناعم، وذلك لثخن الساتر، والكتناز الأجزاء، ولبعد مسقط الشمس من أصل حائطه. فطال بنا الحديث، وجرينا في ضروب من الكلام. فما شعرنا إلا والنهار قد انتصف، ونحن في يوم قائظ «1» . فلما أردنا الرجوع، ووجدت مس الشمس ووقعها على الرأس، أيقنت بالبرسام «2» . فقلت لأبي إسحاق (والوليد إلى جنبي يسمع كلامي) : «الباطنة «3» منا بعيدة، وهذا يوم منكر، ونحن في ساعة تذيب كل شيء؛ والرأي أن نميل الى منزل الوليد فنقيل «4» فيه، ونأكل ما حضر، فإنه يوم شديد فإذا أبردنا تفرقنا. وإلا فهو الموت، ليس دونه شيء» . قال الوليد رافعا صوته: «أما على هذا الوجه لا يكون والله أبدا، فضعه في سويداء قليك» . فقلت له: «ما هذا الوجه الذي أنكرته علينا رحمك الله؟ هل ههنا إلا الحاجة والضرورة» ؟ قال: «إنك أخرجته مخرج الهزء» . قلت: «كيف أخرجه مخرج الهزء، وحياتي في يدك، مع معرفتي بك» ؟ فغضب ونتريده من أيدينا، وفارقنا. ولا والله ما اعتذر إلينا مما ركبنا به إلى الساعة، ولم أر من يجعل الأسى في المنع إلا هو، وإلا ما كان من أبي مازن إلى جبل العمي.
جبل وأبو مازن:
وكان جبل خرج ليلا من موضع كان فيه، فخاف العسس «5» ، ولم يأمن أحد يتبعه فيضره. فقال: «لو دققت الباب على أبي مازن، فبت عنده وإن وجدتم في هذا الكتاب لحنا أو كلاما غير معرب، ولفظا معدولا عن جهته فاعملوا أنا إنما تركنا ذلك لأن الإعراب يبغض هذا الباب، ويخرجه من حده إلا أن ما حكي كلاما من كلام متعاقلي البخلاء، وأشحاء العلماء، كسهل بن هارون، وأشباهه.