هشام بن عبد الملك والغلام
1 نوادر الكرام
حصلت في عهد هشام مجاعة عظيمة، فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي - وكان غلاماً لم يتجاوز العاشرة من عمره-، فنظر هشام إلى حاجبه نظرة لائم في دخول درواس إليه وقال: أيدخل علي كل من أراد الدخول! وكان درواس مفوهًا فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخل لك دخولي عليك، ولقد شرفني ورفع قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أحجموا عنه فإن أذنت في الكلام تكلمت، فقال هشام: لله درك تكلم، فما رأى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث : أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصت العظم ولله في أيديكم أموال فإن تكن لله فاعطفوا بها على عباد الله وإن تكن لهم فعلام تحجبونها عنهم؟! وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين، فقال هشام: لله أنت ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقُسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما يبعث على ذمك، فلما عاد إلى داره أمر بذلك فبعث إليه فقسم تسعين ألف درهم في تسعة من أحياء العرب وأبقى عشرة آلاف درهم فبلغ ذلك هشامًا فقال: لله دره إن صنيعة مثله تبعث على الاصطناع.