منتديات العليمى للثقافة
منتديات العليمى للثقافة
منتديات العليمى للثقافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تهدف المنتديات إلى احياء الثقافة العامة لانشاء جيل واعى مدرك لاهمية العلم والمعرفة
 
الرئيسيةمرحبا بكم أعضاءالأحداثأحدث الصورAlolemy2018التسجيلدخول

 

 خلفاء المسلمين 79 السلطان مراد الثاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 1696
تاريخ التسجيل : 26/04/2017
العمر : 36
الموقع : محافظة الشرقىة جمهورية مصر العربية

خلفاء المسلمين 79 السلطان مراد الثاني  Empty
مُساهمةموضوع: خلفاء المسلمين 79 السلطان مراد الثاني    خلفاء المسلمين 79 السلطان مراد الثاني  Icon_minitimeالجمعة يونيو 28, 2019 2:21 am

السلطان مراد الثاني
بطل فارنا الزاهد العابد


مقدمة:

لقد أدرك أعداء الإسلام منذ اللقاء الأول مع المسلمين أن سر قوتهم تكمن في المقام الأول في تمسكهم بالعقيدة الإسلامية النقية التي تمثل الوشيجة القوية التي تجمع كل من انتمى لهذا الدين مهما كان جنسه أو نوعه أو لونه، فدين الإسلام هو الجامعة الكبرى والراية العظمى التي تجمع تحت لوائها كل من نطق بالشهادتين وعمل بها، فالعقيدة الراسخة في القلوب ثم الاتحاد الثابت بين أبناء المسلمين هو سر القوة الشامخة التي قوضت عروش الفرس والروم في خلال قرن واحد من الزمان.



ذلك كله أدركه أعداء الإسلام فعملوا جاهدين على تفرقة الصف المسلم ببث العقائد الضالة وتقوية الفرق المنحرفة وإشاعة الفرقة بين أبناء الأمة المسلمة وإحياء العصبيات الجاهلية إلى آخر بنود المخطط الشيطاني لتمزيق جسد الأمة وعندها يسهل على أعداء الإسلام افتراس أشلاء الأمة الممزقة، ولكن الله عز وجل يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والحاقدون، ويقيض من وقت لآخر رجالًا يقومون بأروع أدوار البطولة الفريدة في حفظ كيان الأمة من التمزق والتشرذم ويتصدون لمحاولات الأعداء للانقضاض على أمة الإسلام.



الدولة العثمانية آمال وآلام:

عندما قامت الدولة العثمانية سنة 699 هجرية وضع قادتها نصب أعينهم هدفًا أسمى وهو "فتح القسطنطينية" ومن أجل تحقيق هذا الهدف الغالي اتبعوا سياسة توسيع الرقعة الأفقية للدولة العظيمة وذلك بضم إمارات الأناضول المتنافرة، وكان لظهور هذه الدولة الإسلامية الجديدة في هذه البقعة الحساسة والملتهبة من العالم القديم أثر شديد وبالغ على أعداء الإسلام، الذين عملوا على خط مواز لجهود العثمانيين في توحيد الأناضول، عملوا على تفريق الاتحاد المنشود وبث الفرقة، وكلما وحَّد سلطان عثماني الأناضول كلما قامت الدسائس والمؤامرات التي تعيد الانفراط والتمزق مرة أخرى، حتى جاءت الضربة الموجعة على يد من ينتسب زورًا للإسلام الرافضي الخبيث "تيمورلنك" الذي هزم جيش "بايزيد" الصاعقة ومزق جسد الدولة العثمانية وأعادها لنقطة الصفر مرة أخرى وذلك سنة 805 هجرية بعد معركة سهل أنقرة.



حاول السلطان "محمد بن بايزيد" أن يعيد تجميع أشلاء الدولة العثمانية، وجعل كل همه منطقة الأناضول وقضى مدة ولايته (805 - 824) في توطيد حكمه والقضاء على الخارجين والثائرين ومحاولات تكريس الفرقة من جانب أمراء الأناضول الذين عادوا لإماراتهم على أسنة رماح الرافضي "تيمور لنك" وبعد وفاته تولى مكانه ولده البطل الهمام "مراد الثاني" وكان عمره 18 سنة فقط لا غير، ولكنه أثبت أن البطولة والهمة والنجابة لا ترتبط بسن ولا عمر.



حركات التمرد:

كانت أوروبا الصليبية عمومًا والدولة البيزنطية خصوصًا تعلم علم اليقين أن الدولة العثمانية ما قامت ولا تكونت إلا بغرض نشر الإسلام في أوروبا، وأن الروح الإيمانية والجهادية التي تملأ صدور العثمانيين سترجح كفتهم في ميادين القتال وستصل بهم لتحقيق أهدافهم بإذن الله وحده، من أجل ذلك عملت أوروبا على تشجيع حركات التمرد والاستقلال المستمرة بالأناضول، فهي التي عملت على تحريض "تيمورلنك" على الاصطدام مع العثمانيين وما أدى إليه هذا الصدام المشؤوم، ثم تبنى إمبراطور بيزنطة "عمانويل الثاني" بعض المتمردين والثائرين على السلطان "مراد الثاني".



كان الأمير "مصطفى بن بايزيد" عم السلطان "مراد الثاني" لاجئًا عند إمبراطور بيزنطة "عمانويل الثاني" فاستخدمه "عمانويل" كورقة ضغط على السلطان "مراد الثاني" لانتزاع معاهدة منه بعدم الهجوم على القسطنطينية للأبد، فرفض "مراد الثاني" هذا الشرط بالطبع لأنه يلغي الهدف والأساس الذي قامت عليه الدولة العثمانية، فقام "عما نويل" بتجهيز الأمير الألعوبة "مصطفى" بأسطول بحري وقام بمهاجمة ميناء "غاليبولي" على مضيق الدردنيل وفتحها وواصل السير حتى "أدرنة" وقتل القائد العثماني "بايزيد باشا" فأسرع السلطان "مراد الثاني" على رأس جيش كبير وانتصر على عمه وقدمه للمحاكمة التي قضت عليه بالإعدام جزاء لخيانته وشقه للصف المسلم.



لم يرتدع "عمانويل" عن غيه ومخططه الشرير في تمزيق وحدة المسلمين، فتبنى ثائرًا آخر هو الأمير "مصطفى" الأخ الأصغر للسلطان "مراد الثاني" وأمده بالسلاح والجنود، فقام بالثورة أثناء انشغال "مراد الثاني" بالجهاد على حدود القسطنطينية، فكر "مراد الثاني" راجعًا بسرعة لقمع الثورة قبل استفحالها خاصة أن بعض أمراء الأناضول قد انضموا للأمير "مصطفى"، وبالفعل استطاع القضاء على الثورة وقتل أخيه الثائر، ولا يظن البعض أن هذا القتل قسوة أو غلظة من "مراد" على أخيه "مصطفى" بل هو الجزاء العادل والقصاص الإلهي من الخارجين والمفرقين للصف المسلم وعملًا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أتاكم وأمركم جميعًا على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه"، أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب إذا بويع لخليفتين.



لم يكد أن ينتهي "مراد الثاني" من القضاء على تمرد أخيه "مصطفى" حتى ثارت فتنة أخرى بطلها الأمير "قره جنيد" أمير أزمير، وهو رجل عتيد في الغدر والخيانة مرة بعد مرة، فلقد ثار مرتين من قبل على السلطان "محمد" والد "مراد الثاني" وعفا عنه "محمد" في المرتين، ولكن العفو مع أمثال هذه الشخصيات الغادرة بطبعها لا يزيدها إلا غيًّا وغدرًا، فقام "قره جنيد" بالتعاون مع الأمير "مصطفى" السابق، ولما فشلت ثورته، دخل إلى إمارة "آيدين" وأعلن انفصاله عن الدولة، فوثب عليه الأسد العثماني "مراد الثاني" وقتله وأنهى فتنته.



توحيد الأناضول:

كان هدف "مراد الثاني" الأول هو توحيد منطقة الأناضول المبعثرة تحت حكم أمراء الأهواء والأطماع، فبدأ بإمارة القرمان التي كانت دائمًا صداعًا في رأس سلاطين بني عثمان، فعقد صلحًا مع أميرها ثم سيطر على إمارات آيدين ومنتشا وصاروخان وكرميان التي أوصى أميرها قبل موته بانضمامها إلى الدولة العثمانية حيث لم يكن له من يخلفه، وشعر بالندم بالاستقلال عن الدولة العثمانية وأراد أن يصحح خطأه قبل موته، وانضم أيضًا إقليم الحميد، أما أمير قسطموني فقد وجد نفسه في موقف حرج إذ كان يدعم ثورة الأمير "مصطفى" وخاف من عواقب ذلك فأسرع بالتنازل عن نصف إمارته للدولة العثمانية وصاهر "مراد الثاني".



.. وبذلك انتهت مشاكل الأناضول وأصبح السلطان "مراد الثاني" متفرغًا للجهاد في أوروبا والرد على إمبراطور بيزنطة "عمانويل" المحرض لكثير من الثورات ضد المسلمين.



الضربات التأديبية:

كان الإمبراطور "عمانويل" الثاني هو الواقف خلف كثير من القلاقل والثورات التي قامت على الدولة العثمانية ليس فقط في الأناضول ولكن في البلقان أيضًا، لذلك كان لا بد من تأديب هذا الغادر المؤلب على أمة الإسلام وكان له الأولوية في سلسلة الضربات التأديبية الموجعة التي سيوجهها إلى المتآمرين، وكانت الضربة قوية وموجعة وتمثلت في فتح مدينة "سلانيك" الكبيرة وضمها لأملاك العثمانيين وذلك سنة 833 هجرية، وأصبحت من يومها جزءًا لا يتجزأ من الدولة العثمانية حتى وقتنا الحاضر.



اتجه "مراد الثاني" بعد ذلك للقضاء على بؤر التوتر والتمرد في بلاد البلقان والمدعومة من الدولة البيزنطية، وعندما أحس ملك الصرب "ستيف لازارفيتش" بقوة التهديد العثماني ورأى بأم عينيه سقوط المدينة العريقة "سلانيك" في أيام قلائل، أسرع وأعلن خضوعه للدولة العثمانية ودفع الجزية.



واصل "مراد الثاني" صولاته وضرباته الجهادية في منطقة البلقان، واتجه هذه المرة إلى بلاد الأرنؤوط "ألبانيا" الآن فاستولى على الجزء الجنوبي منها واستعصى الجزء الشمالي على الفتح، بل تمكن الألبان في الشمال من القضاء على جيشين عثمانيين في جبال ألبانيا، كما ألحقوا الهزيمة بحملتين متتاليتين قادهما "مراد" بنفسه، والسر وراء ذلك وقوف كل القوى الصليبية الأوروبية خلف الألبان ضد المسلمين، خاصة حكومة إيطاليا التي كانت تدرك خطورة الفتح الإسلامي لهذه البلاد التي تتميز بموقعها الإستراتيجي الحيوي والهام والمتحكم في بحر "الأدرياتيك".



الدولة العثمانية والدولة المجرية:

كانت منطقة البلقان قبل ظهور الدولة العثمانية وبزوغ نجمها على الساحة الأوروبية تابعة للدولة المجرية التي كانت تمتد أملاكها لتشمل المجر وبولندا والتشيك وألبانيا ويوغسلافيا، وكانت الدولة البيزنطية قد بلغ بها الوهن والضعف حتى أصبحت مجرد اسم طنان لدولة عريقة الماضي، وواهية الحاضر، وليس لها تأثير حقيقي على الساحة الأوروبية سوى مكانتها التاريخية فقط لا غير وكونها حامية النصرانية من ناحية الشرق، أما القوة الحقيقية والنفوذ الفعلي فكان لملوك المجر الذين ظلوا لفترة طويلة رأس الحربة في الصراع بين الدولة العثمانية المسلمة وأوروبا النصرانية.



وقع الصدام عدة مرات بين الدولة العثمانية ومملكة المجر قبل عهد "مراد الثاني"، ولكن كان الصدام الأول بين "مراد الثاني" والمجريين في منتهى القوة وذلك سنة 842 هجرية وأسفر عن هزيمة مروعة للمجريين، قتل فيها وأسر سبعون ألفًا من المجريين، وكان ملك الصرب "ستيف" قد مات قبل ذلك وحل مكانه صليبي حاقد هو "جورج برانكوفيتش" الذي خلع طاعة الدولة العثمانية وتعاون مع المجريين، فلما هزم "مراد الثاني" المجريين استدار إلى الصرب وحاصر "بلجراد" عاصمة الصرب ستة أشهر ولكن لم يتمكن من فتحها، وكان هذا الحصار سببًا مباشرًا في الحملة الصليبية الجديدة على الدولة العثمانية.



النكبات تتوالى:

كان للضربات التأديبية الموجعة التي سددها "مراد الثاني" لأوروبا في البلقان صدى شديد عند كرسي البابوية الذي كان يتلظى من هذه الانتصارات الإسلامية، وكان الحصار المضروب على "بلجراد" شرارة البدء لحملة صليبية جديدة على الوجود العثماني الإسلامي بالبلقان، واستجاب لدعوة بابا روما كل من المجر وبولندا والصبر ورومانيا وألمانيا والتشيك وإيطاليا إضافة للدولة البيزنطية، وأعطيت قيادة الحلف لأفضل القادة المجريين "يوحنا هينادي".



تحركت القوات الصليبية المتحدة وعبرت نهر "الدانوب" من ناحية الجنوب ولم تكن الجيوش العثمانية وقتها مستعدة لخوض معركة مع هذا العدد الضخم من الجنود الحاقدين الموتورين ضد الإسلام عمومًا والعثمانيين خصوصًا، فوقعت الهزيمة الشديدة بقدر الله عز وجل وحده على المسلمين سنة 846 هجرية واستشهد عشرون ألفًا من المسلمين، وحاول "مراد الثاني" إعادة الكرة للثأر من الهزيمة، ولكن على عجل ودون استعداد كاف، فوقعت هزيمة فظيعة على المسلمين أنكب من الأولى استشهد وأسر فيها ثمانون ألفًا من بينهم "محمود شلبي" القائد العام للجيوش العثمانية وزوج ابنة "مراد الثاني".



أجبرت هذه النكبات الأليمة السلطان "مراد الثاني" أن يقبل معاهدة الصلح مع الأوروبيين تنازل بموجبها عن عدة بلاد في رومانيا وبلغاريا والصرب واعترف بالكلب الحاقد "جروج برانكوفيتش" أميرًا على الصرب، وحررت وثيقة الصلح باللغتين العثمانية والمجرية، وأقسم "مراد" على القرآن وأقسم ملك المجر "لاديسلاسي" على الإنجيل بحضور الشهود من الطرفين- ولا يظن البعض أن ما وقع على المسلمين من هزائم لظلمهم أو لعدم عدالة قضيتهم بل هو من تمحيص الصف المسلم والاعتبار بعاقبة الاستعجال وعدم الأخذ بالأسباب والتدبر في أسباب النصر، وابتلاء المؤمنين شرط من شروط التمكين ليخلص الصف ويصح البنيان ويثبت بعد ذلك أمام أعاصير الفتن وما أكثرها!.



الفجيعة:

ونقصد بها تلك المصيبة الأليمة التي جاءت بقدر الله عز وجل لتكمل دائرة الابتلاء على هذا السلطان المجاهد "مراد الثاني"، فلم يكد أن ينتهي من توقيع معاهدة الصلح مع الأوروبيين لمدة عشر سنوات حتى جاءته فجيعة أليمة بمقتل ولي عهده وأكبر أبنائه الأمير "علاء الدين" في حادث عارض وكان زهرة شباب بني عثمان، ومعقد آمال "مراد الثاني"، فكانت هذه الفجيعة ذات أثر شديد على نفسية "مراد الثاني" فيتخذ قرارًا هو الأول في تاريخ الملوك والسلاطين المسلمين وغير المسلمين حيث تنازل "مراد الثاني" عن الحكم لولده "محمد الثاني" وهو الفاتح، وكان في الرابعة عشر وجعل له بطانة من الوزراء والعلماء والناصحين حتى لا ينفرط عقد السلطنة، وذهب "مراد الثاني" إلى ولاية "مغنيسيا" وتفرغ للعبادة والذكر والمناجاة والدعاء في خلوة من خلوات العباد وانقطع عن الدنيا وأقبل على الآخرة ولبس ملابس الزهاد.



نقض المعاهدة:

كانت المعاهدة التي وقعها "مراد الثاني" مع الأوروبيين، من الأمور التي ساعدته على اتخاذ قرار الاعتزال، ذلك لأنها تضع أوزار الحرب عشر سنوات يكون خليفته الصغير "محمد الثاني" قد اشتد عوده فلا يستهين به أعداؤه، ولكن "مراد الثاني" لم يدرك مدى الحقد الصليبي المترسخ في نفوس الأوروبيين، فنار قلوبهم لا تنطفئ أبدًا ضد المسلمين، حيث قام البابا "أوجين الرابع" بإيفاد الكاردنيال "سيزاريني" وهو رجل من كبار مساعديه يتقد عزمًا ونشاطًا لتطهير أوروبا من الوجود الإسلامي، وقد كلَّفه بمهمة خاصة وهي إقناع ملوك وأمراء أوروبا خاصة "لاديسلاسي" ملك المجر، بوجوب نقض المعاهدة مع المسلمين.



انطلق "سيزاريني" يجوب أوروبا طولًا وعرضًا بمنتهى النشاط والهمة، واستخدم المؤثرات الدينية لإقناع ملوك أوروبا بالنقض مثال: أن المعاهدة باطلة لأنها عقدت بدون إذن البابا وكيل المسيح في الأرض! وأن البابا سوف يبرئ ذمتهم من الآثام والخطايا الناجمة عن نكث العهد، وأن الباب سوف يعطي صك غفران لكل من يقوم بنقض العهد مع المسلمين ومحاربتهم.

وبالفعل استجاب ملك أوروبا لدعوات النقض، وأعلن البابا قيام الحرب الصليبية الجديدة ضد المسلمين".

دائمًا أعداء الإسلام يستغلون الفرصة المواتية للنيل من المسلمين، فعندما شعروا أن الساحة قد خلت من الأسد القوي والقائد المجاهد، أعلنوا نقض العهود وخيانة المواثيق ونكث الأيمان فهم كما قال الله عز وجل: {لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]، عندها تسقط الأقنعة وتختفي غصون الزيتون وحمائم السلام وتظهر الصقور والذئاب وتقام المذابح والمشانق، ولا عزاء لسلام الشجعان.



عودة الأسد بطل فارنا:

وصلت أخبار الحملة الصليبية الضخمة إلى مسامع الأسد الرابض في معتكفه، وجاءه رجال الدولة يشرحون خطورة الموقف وصغر سن "محمد الثاني" عن أمثال تلك المهام الجسيمة، فقرر "مراد الثاني" أن يخرج من معتكفه ويقود الجيوش المسلمة لمواجهة هذا العدوان الصليبي، وقرر في خطوة ذكية وجريئة أن ينقل الصدام إلى قلب الجبهة الأوروبية، فاتفق مع أسطول "جنوة" لينقل جيشه المكون من أربعين ألف مقاتل من آسيا إلى أوروبا تحت سمع وبر التحالف الصليبي في مقابل دينار لكل جندي.



ومرة أخرى يضرب لنا "مراد الثاني" أروع الأمثلة فميا يحتاجه أي حاكم مسلم في الموازنة بين المصالح والمفاسد، وحيث إنه ترك مصلحته الخاصة وانفراده بالعبادة وتلذذه بها لصالح المصلحة العامة لأمة الإسلام، فلم يؤثر نفسه وعبادته على مصالح أمته العليا، وعلم أن فريضة الوقت هو الجهاد في سبيل الله وليس الانكفاء على النفس والانقطاع في الخلوات، خاصة في مثل هذا الظرف الطارئ الدقيق الذي يحيط بالأمة، ثم يعلمنا "مراد الثاني" درسًا كبيرًا في كيفية الاستفادة من خلافات الأعداء فيما بينهم لصالح خدمة الإسلام، فإمارة "جنوة" رفضت نقض المعاهدة، وحرم البابا أمراءها من المغفرة! فوقع بينهما الخلاف الشديد الذي عرف "مراد الثاني" كيف يوظفه لصالح المسلمين.



وصل التحالف الصليبي بقيادة "لاديسلاسي" إلى مدينة "فارنا" ببلغاريا وكانت تحت السيطرة العثمانية واحتلوها وقاموا بمذبحة مروعة للمسلمين هناك كشفت عن مدى الحقد الصليبي الذي جاء بهم من كل أنحاء أوروبا لإنهاء الوجود الإسلامي في أوروبا، وخاف سكان مدينة "أدرنة" وكانت قريبة من "فارنا" من هجوم الصليبيين عليهم، ولكن وصول المسلمين بقيادة "مراد الثاني" ثبت قلوب المسلمين هناك وقوى عزائمهم، وجاء المتطوعون للجهاد في سبيل الله من كل مكان واستعد الفريقان للصدام.



قبل الصدام قام السلطان "مراد الثاني" بوضع المعاهدة التي نقضها الصليبيون على رأس رمح طويل ليشهد الجميع على الغدر والعدوان، وفي 28 رجب سنة 848 هجرية اندلعت معركة "فارنا" وفي وسط الميدان التقى الرجلان؛ المسلم الوفي والصليبي الغادر الناكث للعهود، واقتتلا سويًا في معركة شرسة رجل لرجل، تمكن فيها البطل الجسور "مراد الثاني" أن يقتل الغادر "لاديسلاسي" وأسرع بعض المجاهدين وحز رأس "لاديسلاسي" ورفعها على رمح مهللًا ومكبرًا وقال للأعداء: "أيها الكفار، هذا رأس ملككم"، وكان لهذا المشهد وقع هائل في نفوس الصليبيين، انهارت بعدها العزائم وولوا مدبرين، ووقع فيهم الأسر والقتل، وكان رأس الفتنة "سيزاريني" من ضمن القتلى ولاقى هو وغيره عاقبة الغدر والخيانة ونقض العهود.



العودة إلى المحراب:

بعد الانتصار المدوي للمسلمين بقيادة "مراد الثاني" على التحالف الصليبي، ظن الناس أن "مراد" سيبقى في سدة الحكم لينعم وتقر عينه بحلاوة الظفر العالمي، ولكن "مراد الثاني" الذي ما نزل عن الحكم واعتزله في المرة الأولى إلا ابتغاء مرضات الله، ولم يكن زهده في المرة الأولى مزيفًا أو من نوع زهد المتصوفة، بل كان زهدًا حقيقيًا ملأ شغاف قلبه، وقرر ولأول مرة في التاريخ أن يترك الحكم مرة أخرى لولده "محمد الفاتح" ويدخل معتكفه بولاية "مغنيسيا" ويقبل بكليته على العبادة يرتشف لذاتها التي ذاقها من قبل فلم ولن يفرط فيها.



لم يكد يهنأ "مراد الثاني" بخلوته وجميل الذكر والمناجاة حتى اضطرته الظروف مرة أخرى للخروج من معتكفه، وهذه المرة للقضاء على تمرد الإنكشارية "ضباط الجيش العثماني" الذين استخفوا بولده "محمد الثاني" وأفسدوا في الأرض، وكذلك تمرد "إسكندر بك" أمير ألبانيا فخرج لكلا الفريقين الأسد الزاهد العابد، ليقمع الفتنة قبل استفحالها، وبالفعل كان مجرد ظهوره على الساحة كفيلًا بأن تلزم الفئران جحورها وتنتهي الفتنة في مهدها.



استبان للسلطان "مراد الثاني" من سياق الأحداث المتكررة أن بقاءه في السلطنة خير وأنفع له وللأمة الإسلامية وأرجى وأنفع له عند الله عز وجل، فبقي في الحكم بعض سنوات قضاها في الغزو والجهاد وتوج حياته الصالحة بمعركة "كوسوفا الثانية" سنة 852 هجرية وفيها انتصر بعد ثلاثة أيام من القتال المتواصل مع المجريين الذين أرادوا الانتقام والثأر من هزيمتهم السابقة بفارنا، وأخرج المجريين من ساحة الصراع بين الدولة العثمانية وأوروبا لفترة طويلة.



نستطيع أن نقول: إن الذي قاد الثورة في داغستان هم العلماء والشيوخ، وكان أول من قاد الثورة هو الشيخ العلامة "محمد الكمراوي"، وكان من كبار علماء داغستان وله تلاميذ كثيرة، على رأسهم الشيخ "شامل أفندي" بطلنا المقدام، واستطاع العلامة المجاهد "محمد الكمراوي" أن يعد جيشًا صغيرًا يقدر بثمانية آلاف مقاتل مسلم من أهل البلاد، حقق به عدة انتصارات باهرة على القوات الروسية ولكنه سرعان ما استشهد، رحمه الله، في معركة "كيمرة" ضد الروس، وذلك سنة 1248 هجرية، وأصيب الشيخ "شامل" إصابة شديدة ولكنه نجا، وكان العلامة "محمد الكمراوي" شديد الحماسة والغيرة على الإسلام، وفي منتهى الشدة على الخونة والمنافقين من الموالين لروسيا، وألف رسالة صغيرة بعنوان "إقامة البرهان على ارتداد أمراء داغستان" ويعني بهم التاركين لحكم الشريعة الإسلامية، الموالين لروسيا الصليبية، وبالجملة، وعلى الرغم من قصر مدة ثورة "محمد الكمراوي" إلا أنها استمرت من بعده ولم تهدأ طيلة ثلاثين عامًا متصلة.



بعد استشهاد الإمام الغازي والشجاع الباسل "محمد الكمراوي" في جهاده ضد الروس، تولى القيادة بعده الشيخ "حمزة بك علي" واستطاع أن يكسر شوكة أمراء "أوار" الموالين للروس الخائنين للإسلام، ولكن لم يمض عليه سوى سنة ونصف حتى قتله رجل منافق اسمه "عثمان" بدافع من الروس، وذلك يوم الجمعة حين ذهابه للصلاة إلى جامع البلد الكبير.



وهكذا يلعب دائمًا المنافقون أقذر الأدوار في تعطيل مسيرة النهضة والتحرر، ولولا هذا الطابور الخامس المندس في صفوف أمة الإسلام ما سقط بلد مسلم قط بيد أعداء الإسلام وما حدث في أفغانستان والعراق خير دليل على دور المنافقين الخطير في تهديم الأمة وتسليمها لأعدائها.



الإمام شامل:

انتقلت قيادة الثورة إلى الشيخ الإمام "شامل بن دنكاو الداغستاني" وكان هو بحق رجل الساعة وفارس الساحة والأسد الجبلي الذي لا يقوى عليه.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www-alolemy-com.yoo7.com
 
خلفاء المسلمين 79 السلطان مراد الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خلفاء المسلمين 105 السلطان مراد الخامس
» خلفاء المسلمين 90 السلطان مراد الرابع
» خلفاء المسلمين 76 السلطان مراد الاول
» خلفاء المسلمين 85 السلطان مراد الثالث
» خلفاء المسلمين 89 السلطان عثمان الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات العليمى للثقافة :: أهلا بكم :: التاريخ الإسلامى-
انتقل الى: