وهذه أرجوزة لبعض الفضلاء ذكر فيها جميع الخلفاء:
الحمد لله العظيم عرشه ** القاهر الفرد القوي بطشه
مقلب الأيام والدهور ** وجامع الأنام للنشور
ثم الصلاة بدوام الأبد ** على النبي المصطفى محمد
وآله وصحبه الكرام ** السادة الأئمة الأعلام
وبعد فإن هذه أرجوزة ** نظمتها لطيفة وجيزة
نظمت فيها الراشدين الخلفا ** من قام بعد النبي المصطفى
ومن تلاهم وهلم جرا ** جعلتها تبصرة وذكرى
ليعلم العاقل ذو التصوير ** كيف جرت حوادث الأمور
وكل ذي مقدرة وملك ** معرضون للفنا والهلك
وفي اختلاف الليل والنهار ** تبصرة لكل ذي اعتبار
والملك الجبار في بلاده ** يورثه من شاء من عباده
وكل مخلوق فللفناء ** وكل ملك فإلى انتهاء
ولا يدوم غير ملك الباري ** سبحانه من ملك قهار
منفرد بالعز والبقاء ** وما سواه فإلى انقضاء
أول من بويع بالخلافة ** بعد النبي ابن أبي قحافة
أعني الإمام الهادي الصديقا ** ثم ارتضى من بعده الفاروقا
ففتح البلاد والأمصارا ** واستأصلت سيوفه الكفارا
وقام بالعدل قياما يرضي ** بذاك جبار السما والأرض
ورضي الناس بذي النورين ** ثم على والد السبطين
ثم أتت كتائب مع الحسن ** كادوا بأن يجددوا بها الفتن
فأصلح الله على يديه ** كما عزا نبينا إليه
وجمع الناس على معاوية ** ونقل القصة كل راويه
فمهد الملك كما يريد ** وقام فيه بعده يزيد
ثم ابنه وكان برا راشدا ** أعني أبا ليلى وكان زاهدا
فترك الإمرة لا عن غلبه ** ولم يكن إليها منه طلبه
وابن الزبير بالحجاز يدأب ** في طلب الملك وفيه ينصب
وبالشام بايعوا مروانا ** بحكم من يقول كن فكانا
ولم يدم في الملك غير عام ** وعافصته أسهم الحمام
واستوثق الملك لعبد الملك ** ونار نجم سعده في الفلك
وكل من نازعه في الملك ** خر صريعا بسيوف الهلك
وقتل المصعب بالعراق ** وسير الحجاج ذا الشقاق
إلى الحجاز بسيوف النقم ** وابن الزبير لائذٌ بالحرم
فجار بعد قتله بصلبه ** ولم يخف في أمره من ربه
وعندما صفت له الأمور ** تقلبت بجسمه الدهور
ثم أتى من بعده الوليد ** ثم سليمان الفتى الرشيد
ثم استفاض في الورى عدل عمر ** تابع أمر ربه كما أمر
وكان يدعى بأشجّ القوم ** وذي الصلاة والتقى والصوم
فجاء بالعدل والإحسان ** وكف أهل الظلم والطغيان
مقتديا بسنة الرسول ** والراشدين من ذوي العقول
فجرع الإسلام كأس فقده ** ولم يروا مثلا له من بعده
ثم يزيد بعده هشام ** ثم الوليد فت منه الهام
ثم يزيد وهو يدعى الناقصا ** فجاءه حمامه معافصا
ولم تطل مدة إبراهيما ** وكان كل أمره سقيما
وأسند الملك إلى مروانا ** فكان من أموره ما كانا
وانقرض الملك على يديه ** وحادث الدهر سطا عليه
وقتله قد كان بالصعيد ** ولم تفده كثرة العديد
وكان فيه حتف آل الحكم ** واستنزعت عنهم ضروب النعم
ثم أتى ملك بني العباس ** ولا زال فينا ثابت الأساس
وجاءت البيعة من أرض العجم ** وقلدت بيعتهم كل الأمم
وكل من نازعهم من أممٍ ** خر صريعا لليدين والفم
وقد ذكرت من تولى منهم ** حين تولى القائم المستعصم
أولهم ينعت بالسفاح ** وبعده المنصور ذو الجناح
ثم أتى من بعده المهدي ** يتلوه موسى الهادي الصفي
وجاء هارون الرشيد بعده ** ثم الأمين حين ذاق فقده
وقام بعد قتله المأمون ** وبعده المعتصم المكين
واستخلف الواثق بعد المعتصم ** ثم أخوه جعفر موفي الذمم
وأخلص النية في المتوكل ** لله ذي العرش القديم الأول
فأدحض البدعة في زمانه ** وقامت السنة في أوانه
ولم يبق فيها بدعة مضلةٌ ** وألبس المعتزلي ثوب ذله
فرحمة الله عليه أبدا ** ما غار نجمٌ في السماء أو بدا
وبعده استولى وقام المعتمد ** ومهد الملك وساس المقتصد
وعندما استشهد قام المنتصر ** والمستعين بعده كما ذكر
وجاء بعد موته المعتز ** والمهتدي الملتزم الأعز
والمكتفي في صحف العلا أسطر ** وبعده ساس الأمور المقتدر
واستوثق الملك بعز القاهر ** وبعده الراضي أخو المفاخر
والمتقي من بعد ذا المستكفي ** ثم المطيع ما به من خلف
والطائع الطائع ثم القادر ** والقائم الزاهد وهو الشاكر
والمقتدي من بعده المستظهر ** ثم أتى المسترشد الموقر
وبعده الراشد ثم المقتفي ** وحين مات استنجدوا بيوسف
المستضيء العادل في أفعاله ** الصادق الصدوق في أقواله
والناصر الشهم الشديد الباسِ ** ودام طول مكثه في الناس
ثم تلاه الظاهر الكريم ** وعدله كلٌ به عليم
ولم تطل أيامه في المملكة ** غير شهور واعترته الهلكه
وعهده كان إلى المستنصر ** العادل البر الكريم العنصر
دام يسوس الناس سبع عشرة ** وأشهرا بعزمات برّه
ثم توفي عام أربعينا ** وفي جمادى صادف المنونا
وبايع الخلائق المستعصما ** صلى عليه ربنا وسلما
فأرسل الرسل إلى الآفاق ** يقضون بالبيعة والوفاق
وشرفوا بذكره المنابرا ** ونشروا في جوده المفاخرا
وسار في الآفاق حسن سيرته ** وعدله الزائد في رعيته
قال الشيخ عماد الدين ابن كثير رحمه الله تعالى: ثم قلت أنا بعد ذلك أبياتا:
ثم ابتلاه الله بالتتار ** أتباع جنكيز خان الجبار
صحبته ابن ابنه هولاكو ** فلم يكن من أمره فكاك
فمزقوا جنوده وشمله ** وقتلوه نفسه وجهله
ودمروا بغداد والبلادا ** وقتلوا الأحفاد والأجدادا
وانتهبوا المال مع الحريم ** ولم يخافوا سطوة العظيم
وغرهم إنظاره وحلمه ** وما اقتضاه عدله وحكمه
وشغرت من بعده الخلافة ** ولم يؤرخ مثلها من آفة
ثم أقام الملك أعني الظاهرا ** خليفةً أعني به المستنصرا
ثم ولي من بعد ذاك الحاكم ** مسيم بيبرس الإمام العالم
ثم ابنه الخليفة المستكفي ** وبعض هذا للبيب يكفي
ثم ولي من بعده جماعة ** ما عندهم علم ولا بضاعة
ثم تولي وقتنا المعتضد ** ولا يكاد الدهر مثله يجد
في حسن خلق واعتقادٍ وحلى ** وكيف لا وهو من السيم الأولى
سادوا البلاد والعباد فضلا ** وملأوا الأقطار حكما وعدلا
أولاد عم المصطفى محمد ** وأفضل الخلق بلا تردد
صلى عليه الله ذو الجلال ** ما دامت الأيام والليالي
والفاطميون قليلوا العدة ** لكنهم مد لهم في المدة
فملكوا بضعا وستين سنة ** من بعده مائتين وكان كالسنة
والعدة أربع عشرة المهدي ** والقائم المنصور المعدي
أعني به المعز باني القاهرة ** ثم العزيز الحاكم الكوافرة
والظاهر المستنصر المستعلي ** فالآمر الحافظ عنه سوء الفعل
والظافر الفائز ثم العاضد ** آخرهم وما لهذا جاحد
أهلك بعد البضع والسنينا ** من قبلها خمسمائةٍ سنينا
وأصلهم يهود ليسوا شرفا ** بذاك أفتى السادة الأئمة
أنصار دين الله من ذي الأمة.
وهكذا خلفاء بني أمية ** عدتهم كعدة الرافضية
ولكن المدة كانت ناقصة ** عن مائة من السنين خالصة
وكلهم قد كان ناصبيا ** إلا الإمام عمر التقيا
معاوية ثم ابنه يزيد ** وابن ابنه معاوية السديد
مروان ثم ابن له عبد الملك ** منابذ لابن الزبير حتى هلك
ثم استقل بعده بالملك ** في سائر الأرض بغير شك
ثم الوليد النجل باني الجامع ** وليس مثله بشكله من جامع
ثم سليمان الجواد وعمر ** ثم يزيد وهشام وغدر
أعني الوليد بن يزيد الفاسقا ** ثم يزيد بن الوليد فائقا
يلقب الناقص وهو كامل ** ثم إبراهيم وهو عاقل
ثم مروان الحمار الجعدي ** آخرهم فاظفر بذا من عندي
والحمد لله على التمام ** كذاك نحمد على الأنعام
ثم الصلاة مع تمام العدد ** على النبي المصطفى محمد
وآله وصحبه الأخيار ** في سائر الأوقات والأعصار
وهذه الأبيات نظم الكاتب ** ثمانية تتمة المناقب