بَابِل (تلفظ عربي: [بَا-بِل] ( سماع)، بالأكّديَّة: ????????????????، تُهجأ KA₂-DIG̃IR-RAKI حَرفيًا «بَوَّابَة الْإلِه»)،[la 1] إحدى مُدن العالم القديم، وأكبر عواصم حضارة بِلادُ الرافِدين. عاصمة الإِمبراطورية البَابِلية، وأول مدينة يصلُ عددُ سُكانها إِلى 200,000 نَسمة.[10][11] تقع بَابِل على ذراع نهر الفُرات، على بعد حوالي 85 كيلومتر جنوبي العاصِمة بَغْدَاد، بالقُرب من مدينة الحِلة، تُغطي مساحة قوامُها 9 كم2. في سنة 2019 أدرجتها مُنظمة اليونسكو على لائحة التُّراث العالمي.[la 2]
بَابِل
????????????????
Shamash-sun-symbol (3 rays).svg
قُرص الشمس، رمز الإله شمش، أستعمل كشعار للدولة من الفترة الأكادية وصولاً إلى العصر البَابِلي الحديث.[1]
General view of Ishtar Gate from the north.png
بَابِل بعد ان كشفت عنها تنقيباتُ البعثة الألماني سنة 1914. (تظهر بَوابة عُشتار على اليسار)[2]
اسم بديل
بالأكّديَّة: ????????????????
باللّاَتِينِيُّة: Βαβυλών
بالعَيلامَية: ????????????????
بالسُرِيانِية: ܒܒܠ
بالْعَبَرِيَّة: בָּבֶל
بالآرامَية: ܒܳܒ݂ܶܠ (????????????
بالْفَارِسِيَّة الْقَدِيمَة: ????????????????????????
الموقع
الحِلة، مُحافظة بَابِل، العِرَاق
المنطقة
بِلاد الرَّافدينِ
إحداثيات
32°32′30″N 44°25′54″E تعديل قيمة خاصية (P625) في ويكي بيانات
النوع
مُستوطنة
جزء من
بِلاد بَابِل
المساحة
9 كـm2 (3.5 ميل2)[3]
بُني
حوالي 2340 قبل الميلاد[4]
هُجِر
بالكامل، نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر ميلادي[5]
الحضارات
الأكادية، الأمورية، الحيثية، الكيشية، الآشورية، الكلدانية، الأخمينية، الهلنستية، الفرثية، الساسانية.
تواريخ الحفريات
البِعثة الفرَنسية (1852-1897)[6]
البِعثة الْألمانِية (1897-1917)[7]
البِعثة الْإِيطالية (1974)[8]
عُلماء أثار عِراقيون (1979-1990)[9]
الأثريون
كلوديوس ريج، هرمز رسام، روبرت كولدفاي، أوستن لايارد، هنري رولنسون، فلجانس فرينل، فيليكس توماس وعلماء آثار عراقيون حديثون.
ويكيميديا |
خريطة الشارع المفتوحة
تعديل مصدري - تعديل طالع توثيق القالب
تزامنَ قيامُ بَابِل كقوة إقليمية في الشرق الأَدنى مع صُعود الملك «حَمورابي» سادس ملوك السُّلالة البَابِلية الأَولى إلى دفة الحُكم.[la 3] بعدها أَصبحت بَابِل عاصمة لكيان سياسي هيمن على أراضي وادي الفُرات وجنوب بِلاد الرَافدين عُرف بالإِمبِراطورِية البَابِلية.[la 4] في القرن الثامن قَبل الميلاد، وبعد سنوات من الصراع تمكنَ الملك الآشوري «تغلث فلاسر الثالث» منَ الظفر ببَابِل. بقيت المدينة تحت ظل الإِمبراطورية الآشورية قرناً من الزمن حتى قيام ثورة الملك البَابِلي «نبوبولاسر»، والذي وضعَ نهاية لحُكم الآشوريين في أَرض الرافدين بعدَ انتصاره في مَعركة نَينَوى.[la 5] في القرن السابع قبل الميلاد بلغت المدينة ذُروتها في عهد الملك «نبوخذ نصر الثاني» أشدُ ملوك الكلدان بأسًا وأَمضاهُم صَريمةً حكم إِمبراطوريةً طالَ سُلطانها أغلب بقاع الشرق الأوسط، اِمتدت من البحر الأبيض المُتوسط حتى خليج العَرب.[la 6] في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد سقطت بَابِل على يد جحافل شاهنشاه الفرس «قورش الكبير» مؤسسُ الإِمبراطورية الأخمينية وأول أباطرتها عندما دمر كتائب الجيوش البَابِلية في معركة أوبيس جاعلًا منها إحدى عواصم إمبراطوريتةُ الفتية.[la 7] في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد دخلها «الإسكندر الأكبر» مُظفرًا بعدَ أَن شتتَ سواد الفُرس في واقعة كَوكَميلا، أراد القائدُ الشابْ أن يجعل منها عاصمة الشرق لإمبراطوريته[la 8] قَبل أن توافيه المَنية على أرضها، بعدها أصبحت المدينة جُزءًا من إِمبراطورية أحد قادة جيوشه المَعروف بـ «سلوقس المَنصور».[la 9] في مُنتصف القرن الثاني قبل الميلاد استولى عليها الفُرس مرةٌ ثانية، هذهِ المرة مُتمثلين بالإِمبراطورية الفرثية، بقيادة الشاهنشاه «مهرداد الكبير»، حينها بدأت بَابِل تدريجيا في التدهور، فغطاها ليلُ الزمان، وراحت في سُبات، عُزا المؤرخون ذلك إلى قُربها من العاصمة الفرثية، طَيسَفون.[la 10] بعدَ ثلاثة قُرون دخلتها فيالقُ الْإِمبراطورية الرُومانية بقيادة قيصرُ الروم «تراجان»، فوجدوها ظلًا لما كانت عليه.[la 11]
إن لبَابِل مكانةٌ خاصةٌ في التاريخ تُعزى أولًا لعمارتها الفريدة انطلاقًا من جُدرانها وأبوابها الضخمة التي أحاطت صيوان المدينة، تمثلت خيرُها بتلكَ التي حملت اسم عُشتار، وانتهاءً بأعجوبةٌ العالَم القَديم حدائِقُها المُعلَقة. ثانيًا، كنتيجة مُباشرة لأسطورة نشأت تدريجيًا بعد سقُوطها، وهجر سُكانها لها في مطلع القرونُ الأولى من العصر الحالي. هذه الأُسطورة تذكُرها الروايات الإنجيلية غالبًا في ضوء سلبي، وكذلك دواوينُ الإغريق الذين وصفوها في سجلاتهُم وخلدوا ذكرها للأَجيال القادمة. موقعُها الذي لم يُنس مكانهُ أبدًا لم يكُن مصب اهْتمام أعمالُ التنقيب حتى مطلع القرن العشرين تحت إِشراف عالم الآثار الألماني «روبرت كولديوي» الذي اكتشف آثارها الرئيسة. منذُ ذلك الحين ومع التوثيقات الأثرية والكتابية المُهمة التي اكتشفت في المدينة مُكملًا بالمعلومات الواردة من المواقع القديمة الأخرى التي لها صلة ببَابِل، جعل من المُمكن تقديم تمثيل أكثر دقة للمدينة القديمة بما يتجاوز الأساطير والخُرافات. ومع ذلك لا تزالُ هُنالك العديد من مواقع المدينة والتي كانت يومًا إحدى أهم مُدن الشرق الأدنى القديم غير مُكتشفة، لأن آفاق البحث الجديد قد تقلصت منذُ فَترة طويلة نتيجة الحُروب والازمات التي عَصفت بالعراق.
إعادة اكتشاف بابل
عدل
بدأت حملاتُ التَنقيب عن بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ القديمة مطلع النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأصبحت أكثر كثافة في العُقود التي تلت ذلك. اهتمت هذه الحملات في المقام الأول بمواقع العواصم الآشورية والتي كانت أطلالاتُها أكثر روعة من غيرها، وبالرغم من أن موقع بَابِل قد لفت الانتباه إليه بسرعة بسبب أهمية الاسم المرتبط به، إلا أنَّ أعمال التنقيب فيه لم تبدأ إلا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين والتي جرى تنفيذُها من قبل أفضل فرق علماء الآثار آنذاك، تبعَ ذلك حملات أخرى خلال النصف الثاني من القرن العشرين لتوسيع المعرفة بمواقع المدينة والتي لا يزال مُعظمها لم يكتشف بعد، إلا أن أعمال التنقيب تباطئت بشكل كبير بسبب قرار الحُكومة العراقية تنفيذ برنامج لإعادة إعمار وترميم بعض معالم المدينة، ونتيجةً لوضع العراق السياسي منذُ عامْ 1990.[12][13]
أولى أعمال التنقيب
عدل
City plan of Nineveh
0px
خريطة لبَابِل الاثرية من كتاب "رِحـلات فـي كِـلـدا" للمُستكشف الفرنسي «روبرت ميجنان» الصادر سنة 1829 قبل أن تبدأ أعمال التنقيب.
بالرغم من وجود بعض الالتباسات المُحتملة مع المُدن المُجاورة لبَابِل مثل بورسيبا وعقرقوف، إِلا أنَّ موقع بَابِل الحقيقي لَم يُفقد أبدًا، إذ ظل جزء منه محتفظًا بإسمه القديم «بَابِل».[la 12] زار العديد من الرحالة أنقاض بَابِل، منهم «بنيامين التطيلي» في القرن الثاني عشر الذي وصفها قائلًا: «بَابِل هِيَ الَيوم مُهَدَمَة بالكامِل، وَلا تَزال خَرائِب قَصر نبوخذ نصر بَاقِية فِيها، وَلكِن يُصعَبُ الوصُولُ إليها بِسَبَب الأفاعِي والشَياطِين».[la 13] بينما تجرأ على دُخولها الرحالة الإيطالي «بييترو ديلا فالي» في القرن السابِع عشر، وتمكن بصعوبة من التعرُّف على أنقاض المدينة التي وصفها «هيرودوت» و«اسطرابون»،[la 14] كما زارها في القرن الثامن عشر الدُبلوماسي الفرنسي «جوزيف بوشامب»،[14] أما أول من قامَ بأعمال البحث العلمي هُناك هو المُستَشرق البريطاني «كلوديوس جيمس ريتش» الذي أسسَ في بداية القرن التاسع عشر أول مشروع لرسم خرائط الموقع،[la 15][15] تبعه العديد من مواطنيه لا سيما «أوستن هنري لايارد» في عام 1850 و«هنري روليِنسون» في عام 1854، وهما اثنان من المُكتشفين الرئيسيين لمواقع العواصم الآشورية، ولكنهُما مكثا هُناك لفترة قصيرة فقط لكون موقع بَابِل آنذاك كان أقل إثارة بالنسبة لهما من تلك الواقعة في شمال بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ، وهو ما يُفسر سبب بقاء بَابِل على هامش الحفريات الرئيسية طوال هذه الفترة من أعمال التنقيب. في عام 1852 أجرى الفرنسيون أعمال التنقيب في الموقع بقيادة عالم الآثار «فولجينس فرينل» وبمساعدة «يوليوس أوبيرت» «وفيليكس توماس».[6][la 16] عثر الفريق على اكتشافات ضئيلة (للمقابر بالتحديد) خلال أعمال تنقيب جرت في ظروف صعبة وحاولوا نقلها إلى فرنسا إلا أنهم فشلوا في ذلك، لأن القافلة النَهرية التي كانت تقلهُم (والتي حملت بشكل أساسي الآثار الآشورية) تعرضت لهُجوم من قبل القبائل المحلية في جنوب العراق مما أدى إلى غرقها بالقُرب من قَضاء القرنة في البَصرة عام 1855.[la 17]
كان موقع بَابِل يُزار بانتظام من المُنقبين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في عام 1862 عثر القنصل الفرنسي «باسيفيك هنري ديلابورتي» على مقبرة بارثية غنية بالتُحف أُرسلت محتوياتُها إلى مُتحف اللوفر، كما استولى السُكان المحليون على القطع الأثرية التي عثروا عليها هناك لإعادة بيعها في الأسواق المُجاورة، حدث ذلك بالتزامن مع أعمال التنقيب التي نظمتها فرق بريطانية في سبعينات القرن التاسع عشر تحت إشراف عالم الآثار العراقي-الإنجليزي «هرمز رسام» الذي نجح في استعادة العديد من القطع إلى المُتحف البريطاني لا سيما أسطوانة قورش، توقفت الحفريات البريطانية مؤقتًا بسبب مزاعم وشكوك تتعلق بتورط «هرمز رسام» في عمليات تنقيب سرية، قبل أن يبدأ اهتمامُ الألمان ببَابِل عام 1897.
الحفريات الألمانية
عدل
City plan of Nineveh
Plan of the Kuyunjik mound in Nineveh
(يَمين) تنقيباتُ البعثة الألماني مطلع القرن العشرين. (يَسار) مسؤول البعثة، عالمُ الأثار الألماني «روبرت كولدفاي».
في عام 1897 وصل عالمُ الآثار الألماني «روبرت يوهان كولدوي» إلى بَابِل وقرر تولي زمام أعمال التنقيب على نطاق غير مسبوق. في العام الذي تلا ذلك تأسست «الجمعية الشرقية الألمانية» لتعبئة وجمع الأموال اللازمة لبدء هذا المشروع، نسقت الجمعية في الوقت نفسه مع القسم الشرقي للمتاحف البروسية التي كان من المُقرر أن تتسلم الآثار التي يُعثر عليها أثناء التَنقيب، وكان الكُل مُستفيدًا من دعم القيصر «فيلهلم الثاني» الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بالعُصور الشرقية.[la 18] بدأت الحفريات في العام نفسه، واستمرت حتى عام 1917. كان المشروع استثنائيًا من حيث مُدته في ذلك الوقت، خاصة وأنَّ أعمال التنقيب لم تتوقف ولو لمرة واحدة في السنة بعكس المُمارسات الحالية. ونظرًا لحجم الموقع والأهداف المرجوة منه من التنقيب المُكثف إلى ترميم الآثار وإرسالُها لبرلين وُضع «كولدوي» ومساعديه لوجستيات مُعقدة.[7] بدأت أعمال التنقيب في بَابِل في عدة مواقع في الوقت نفسه (غالبًا ثلاث وأحيانًا خمس) وبلغ عدد العاملين فيها من 150 إلى 200 شخص وحتى 250 على الأكثر. كان فريق الآثار يهدُف أيضًا إلى القيام بأعمال تنقيب في المواقع المُجاورة بالتحديد في بورسيبا وشروباك ثم آشور، وعُين «والتر أندريه» (مُساعد كولدوي) في الموقع بشكل دائم من عام 1903 إلى عام 1913.
City plan of Nineveh
Plan of the Kuyunjik mound in Nineveh
أُعيد بناء وتجميع جُدران شارع الموكب وبوابة عشتار في متحف بيرغامون في برلين.
كانَ لأعمال التنقيب الأولية الفضل في تحديد العديد من معالم المدينة الرئيسية، بالإضافة لرسم مُخططات وجمع بيانات ذات جودة لم تكُن موجودة من قبل في تاريخ علم الآثار. من إيجابيات هذه البعثة أيضًا أن مُدير الحفريات كانَ مُهندسًا مِعماريًا، إذ كان لهُ اهتمام واضح بترميم وإعادة المباني القديمة، بخلاف عُلماء الآثار الذين سبقوه والذين ركزوا قبل كل شيء على اكتشاف الآثار والنفائس دون القلق بشأن الحفاظ على المباني التي وُجدت فيها.[7] كانت القُصور الملكية في مُجمع مردوخ هي أولى أكتشافات البعثة، منها قصر تل عقير، ثم المعابد في تل إيشين-أسواس، وشارع الموكب ثم حي مركيس السكني. في عام 1913 نشر «كولدوي» نتائج تنقيباته في كتاب أسماه «قيامَة بَابِل»، أصبح هذا الكتاب منذ ذلك الحين من الكلاسيكيات في علم آثار بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ.[7][16] أخيرًا كان من المُمكن جمع وثائق وبيانات عالية الجودة عن بَابِل مُقارنة بالمواقع الأخرى في ذلك الوقت من أجل القيام بالتحليل والدراسة لسرد الحقائق بصورة تتجاوز الأساطير. في الوقت نفسه أُرسلت الآثار المُكتشفة إلى ألمانيا كما خُطط مُسبقًا، لا سيما النقوش المزججة لبَوابة عُشتار، وشارع الموكب الذي أعيد بناؤه في مُتحف بيرغامون. كانت أعمال التنقيب أقل كثافة منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتي وضعت عُلماء الآثار الألمان تحت ضغظ كبير. بقي «كولدوي» في بَابِل حتى عام 1917 برفقة فريق محدود.[7]
الحفريات بعد عام 1945
عدل
لم تُستأنف أعمال التنقيب الأثرية في بَابِل إلا بعدَ عدة عُقود من رحيل «كولدوي». في عام 1962 ثم بين عامي 1967 و1973، بحثت الفرق الألمانية في منطقة الزقورة وغيرها من المباني، لا سيما في المُجمع الديني الذي توافقت صفاته مع صفات معبد بَابِل الكبير، والذي خُصص لمهرجان أكيتو البَابِلي.[17] في عام 1974 دخلت البعثة الإيطالية بقيادة «ج. بيرغاميني» بَابِل، كان الهدف الأول من هذه البعثة هو إجراء مُسوحات طبوغرافية تهدف إلى تصحيح واستكمال أعمال التنقيب ما بعد فترة «كولدوي»، لا سيما تسليط الضوء على الارتفاع الحقيقي الذي وصلت لهُ المدينة وما يتعلق بالمشاكل الهيدروغرافية لموقعها.[8] في عامي 1979 و1980 نقب فريق آثار عراقي داخل معبد نابو، وعثروا على كمية كبيرة من الألواح الطينية.[9] توقفت أعمالُ التنقيب في بَابِل نهائيًا عام 1990 نتيجةً لحَرب الخليج الأولى.
إعادة الإعمار والتدهور
عدل
قَصر «صدام حسين» في بَابِل.
خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القُرن الماضي قامت فرق عُلماء أثار عراقيون بترميم الآثار القديمة في البلاد، وذلك بالتوازي مع أعمال التنقيب الجديدة التي أجراها عُلماء أثار عراقيون أمثال الدكتور «نائل حنون» بمُساعدة عالم الآثار «عبد القادر حسن» والدكتور«صباح عبود». أجرى «حنون» عمليات التنقيب في التل الشرقي لبَابِل الواقع على امتداد شارع الموكب إلى الشرق من السور الداخلي للمدينة، أدت أعمال التنقيب إلى اكتشاف مجموعة من القبور تعود إلى العصر الهيلنستي.[18][19]
احتلت أعمالُ التَنقيب في بَابِل المرتبة الأولى من بين مواقع بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ الأخرى من حيث الأهمية، وسُرعان ما أصبحت المدينة رمزًا من رُموز العراق منذُ الأيام الأولى لتلك الدولة، على سبيل المثال يظهر تمثالُ أسد بَابِل وبَوابة عُشتار على طوابع الدولة العراقية مُنذ عام 1978،[la 19] بعدها أصبح برنامج إعادة الإعمار أكثر كثافة واتساعًا تماشيًا مع إرادة «صدام حسين» الذي حكم العراق من سنة 1979 وحتى سقوط نظامه سنة 2003، تطلع «صدام» إلى ماضي بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ القديم لتعزيز شرعيته في البلاد، تمثَّل ذلك من خلال تقديم نفسه على سبيل المثال كخليفة لسلسلة من الملوك الكبار للدول القومية أمثال «حمورابي» و«نبوخذ نصر الثاني» (وكذلك الحُكام الآشوريين)، لذا اختلطت قضايا السياسة بقضايا السياحة، وَوجب على بَابِل أن تكون مرة أخرى مكانًا لإظهار القوة، فرُممت آثارُها وبُنيت أجزاء من جُدران قُصورها، أما بَوابة عُشتار فقد شيدت بالكامل، ورُممت غُرفة عرش القصر الجنوبي لاستخدامها في حفلات استقبال الوفُود، كما رُم المَسرح الإغريقي الذي يضم 2500 مقعد لاستخدامه أثناء العروض المسرحية والموسيقية، حتى إن «صدام حسين» وضع نقوشًا تحمل اسمه على الأساسات كما فعل الحُكام البَابِليون القُدماء، وبنى قصرًا على إحدى التلال الثلاثة القديمة لبَابِل.[20]
City plan of Nineveh
Plan of the Kuyunjik mound in Nineveh
(يسار) طابوق مفخور مختوم في أحد جُدران القصر الجنوبي للملك «نبوخذ نصر الثاني» الذي أعيد بناؤه في الثمانينات مع مدينة بَابِل الأثرية، يحمل اسم «صدام حسين» مؤرخ في 1989. (يمين) تَمَت إزالة طابوق مُماثل في فترة ما بعد 2003.[21]
تُقام الاحتفالات بانتظام في بَابِل، ينتقد عُلماء الآثار هذه المُمارسات كونها تحد من عمليات التنقيب في جُزء كبير من الموقع الأثري، وتُسارع من عملية تدهور الآثار القديمة، والتي تضررت بالفعل نتيجة أعمال التنقيب السابقة التي جرفت أجزاء منها إلى المتاحف الأوروبية، وكذلك ظاهرة التَعرية التي ازدادت وتيرتُها في الآونة الاخيرة. تفاقمت الأضرار التي لحقت بموقع بَابِل عقب الغَزو الأمريكي للعراق عام 2003، في الواقع اختير موقع بَابِل لإنشاء «مُعسكر ألفا»، وهو قاعدة عسكرية أمريكية - بولندية مساحتُها 150
هكتارًا تستضيف ما لا يقلُ عن 2000 جُندي، بما في ذلك مهبط للطائرات. ألحقت هذه العمليات أضرارًا ببعض مباني المدينة الأثرية نتيجةً لمُرور الآليات العسكرية، ومرور الحامية الكبيرة المُعسكرة في الموقع، كذلك أعمال الحفر الكبرى لبناء السواتر، وكلها كانت في قطاع وسط المدينة الضخم والذي يُعتبر من أهم معالم بَابِل. حُفرت الخنادق في المواقع الأثرية، وأتلفت المركبات رصيف شارع الموكب. دفعت الانتقادات المُوجهة إلى الأضرار التي لحقت بالموقع سُلطات التحالف العسكرية أخيرًا إلى تسليم المُعسكر وإعادة الموقع إلى الحُكومة العراقية في شهر كانون الأول من سنة 2004 مما جعل من المُمكن رؤية حجم الضرر الحقيقي.[22]
بابل تراث عالمي
عدل
المقالة الرئيسة: قائمة مواقع التراث العالمي في العراق
في يوم 5 تموز/يوليو 2019 أعلنت منظمة الأمم المتحدة والثقافة والعلوم «يونسكو» بالإجماع إدراجها [la 20] لمدينة بَابِل ضمن مواقع التراث العالمي.[la 21][la 22][23] واشترطت منظمة اليونسكو التزام السلطات العراقية بشروط المنظمة وإزالة المخالفات وأمهلتها حتى شباط/فبراير 2020.[la 23][la 24][la 25] رصد العراق مبلغ 250 مليون دولار لإزالة هذه المخالفات أبرزها وجود أنبوب قريب للنفط وقصر للرئيس السابق صدام حسين بالإضافة إلى الزحف العمراني والمستنقعات.[la 26] كشف عضو اللجنة المالية النائب صادق مدلول السلطاني -الذي شارك في جلسة التصويت على إدراج مدينة بابل- أن اللجنة المالية في مجلس النواب خصصت 60 مليار دينار لعام 2019 وأنَّ المبلغ في السنوات الخمس المقبلة سيكون 200 مليار دينار وبالتنسيق مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار والحكومة الاتحادية.[la 27] أعلن نواب عن محافظة بابل عن تخصيص 59 مليار دينار في الموازنة الاتحادية لتنفيذ مشاريع في المدينة الأثرية، عملت اليونسكو على تأمين مبالغ أخرى وكشفت عن نية لاعتبار محافظة بابل «عاصمة العراق التاريخية».[la 28] أعلن البنك المركزي العراقي عن تخصيص مليار دينار عراقي من حساب مبادرة تمكين لتصرف على الإيفاء بمتطلبات هذا الادراج.[la 29][la 30]
أللغة
عدل
0:02
نُطُق أسم بَابِل بالعَرَبية.
أطلقَ أهل بَابِل على لُغتهم اسم «الأكدية»، ذلك لأن منطقة بَابِل ككُل كانت تُدعى عندهم "أكاد" كما يُلاحظ في نقوش كثيرة وردت فيها أسماء ملوك بَابِل كـ «ملك أكاد» أو «ملك أكاد وسومر». اقتبس البَابِليون أبجديتهم من السومريين الذين أسسوا حضارتهم جنوب العراق، وظلت هذه الأبجدية (المسمارية) تُستخدم في كتابة اللغة البابلية/الأكادية لثلاثة آلاف عام، أي حتى القرن الأول قبل الميلاد. اللغة البابلية سامية أصيلة ولكن لفظها لم يُشمل على حروف التضخيم والتفخيم كما في العَربية كالطاء والظاء والضاد، ولا على حروف الحلق كالحاء والعين والهاء والغين.[la 31]
الاسم
عدل
نَص باللًُغَة الأكادية منقوش على مسلة مانيشتوشو (أبن سَرجون الأكدي)، 2270–2255 ق.م، مُتحف اللوفر.
عُثر على أقدم سجل مؤكد يوثق اسم (بَابِل) على لوح طيني مجهول المصدر مؤرخ (وفقًا لمَعايير علم الكتابات القديمة) لحوالي سنة 2500 قبلَ الميلاد (عَصر فَجر السُلالات).[24] تهجئة بَابِل في اللغة اليونانية «Βαβυλών» مُشتقة من الأصل البَابِلي «Bābilim/n» والتي تعني «بَوابة الإله». التهجئة المِسمارية لبَابِل هي ???????????????? (KA₂.DIG̃IR.RAKI)، العَلامة (KA₂) ???? تَعني «بوابة»، ???? (DIG̃IR) تعني «إله»، ???? (RA) علامة تُستخدم للقيمة الصوتية، و(KI) ???? هو أمر يشير إلى أن العلامات السابقة يجب فهمها على أنها اسم مَكان.[la 1][25][26]
افترض المؤرخ «أرشيبالد سايس» -الذي كتب في عقد السبعينيات من القرن التاسع عشر- أن الاسم السامي «بَابِل» كان ترجمة مُستعارة للاسم السومري الأصلي (KA₂.DIG̃IR.RAKI).[la 32][27][28] بَينما يُعتبر تفسير اسم «بَابِل» إلى «بوابة الإله» بأنه «تأثيل شعبي» سامي لاسم المدينة الأصلي.[29] اقترح المؤرخ «إيغناس جيلب» في عام 1955 أن الـ n/m المُشتقة من الأصل البابلي للكَلمة «Bābilim/n» لهما منشأ غير معروف، ولا توجد أمثلة أخرى لمُدن سومرية استبدلت أسمائها بالترجمات الأكادية. استنتج «إيغناس جيلب» أنها تحولت لاحقًا إلى «(n)/Bāb-ili(m)» الأكادي، وأن الاسم السومري «KA₂.DIG̃IR.RAKI» كان ترجمة لأصل الكلمة السامي وليس العكس.[4][30] أُعيدت ترجمة الاسم السامي إلى (باب-إيل) السومرية في زمن سلالة أور الثالثة (2111 – 2006 ق.م).[31]
في التَناخ (الكتاب المُقدس العبري) اسم بَابِل (بالعبرية: בָּבֶל، بالكلاسيكية السريانية: ܒܒܠ، بالآرامية: בבל)، تُفَسر كَلمة «بَابِل» في سفر التكوين بما معناه «ارتباك» من الفِعل bilbél (בלבל «تشويش»).[32][33] بَينما «Babil» كفعل في اللغة الإنجليزية يُشير إلى «التحدث بحَماسة أو حيرة».[la 33] تستخدم السجلات القديمة في بعض النصوص كلمة «بَابِل» كإسم لمُدن أخرى مثل مدينة بورسيبا الواقعة ضمن دائرة نفوذ بَابِل، ونَينَوى لفترة قصيرة بعد احتلال الآشوريين للمدينة.[34][35]
أما في اللُغة العَرَبية فيقول الأخْفَشُ: «لا ينْصرفُ لتأنيثه وذلك أن اسم كل شيء مؤنث إذا كان أكثر من ثلاثة أحرُف فإنه لا ينصرفُ في المَعْرِفة».[la 34][la 35]