منتديات العليمى للثقافة
منتديات العليمى للثقافة
منتديات العليمى للثقافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تهدف المنتديات إلى احياء الثقافة العامة لانشاء جيل واعى مدرك لاهمية العلم والمعرفة
 
الرئيسيةمرحبا بكم أعضاءالأحداثأحدث الصورAlolemy2018التسجيلدخول

 

 مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (7(

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 1696
تاريخ التسجيل : 26/04/2017
العمر : 36
الموقع : محافظة الشرقىة جمهورية مصر العربية

مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (7( Empty
مُساهمةموضوع: مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (7(   مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (7( Icon_minitimeالجمعة يونيو 02, 2017 1:26 am

تَرْجَمَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ]
وَقَدْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ الْحِمَّانِيُّ، وَأَبُو تَوْبَةَ الْحَلَبِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ، سَجَّادَةُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ.
وَلْنَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ وَمَآثِرِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ
فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ مَازِنِ بْنِ شَيْبَانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ بْنِ أُدِّ بْنِ أُدَدِ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ حَمَلِ بْنِ النَّبْتِ بْنِ قَيْدَارِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ، ثُمَّ الْمَرْوَزِيُّ، ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ هَكَذَا سَاقَ نَسَبَهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي مَنَاقِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ شَيْخِهِ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ صَاحِبِ " الْمُسْتَدْرَكِ ".
وَرَوِيَ عَنْ صَالِحٍ ابْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَى أَبِي هَذَا النَّسَبَ فِي كِتَابٍ لِي، فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّسَبَ. قَالُوا: وَقَدِمَ بِهِ أَبُوهُ مِنْ مَرْوَ وَهُوَ حَمْلٌ، فَوَضَعَتْهُ أُمُّهُ فِي بِبَغْدَادَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ أَبُوهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَفَلَتْهُ أُمُّهُ. قَالَ صَالِحٌ، عَنْ أَبِيهِ: فَثَقَبَتْ أُذُنِي وَجَعَلَتْ فِيهِمَا لُؤْلُؤَتَيْنِ فَلَمَّا كَبِرْتُ دَفَعَتْهُمَا إِلَيَّ فَبِعْتُهُمَا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا.
وَتُوُفِّيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ الْجُمِعَةِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ كَانَ فِي حَدَاثَتِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ، فَكَانَ أَوَّلُ طَلَبِهِ لِلْحَدِيثِ وَأَوَّلُ سَمَاعِهِ مِنْ مَشَايِخِهِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَفِيهَا حَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثُمَّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِينَ، وَجَاوَرَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ، ثُمَّ حَجَّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، وَجَاوَرَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، سَافَرَ إِلَى عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِالْيَمَنِ، فَكَتَبَ عَنْهُ هُوَ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَجَجْتُ خَمْسَ حِجَجٍ ; مِنْهَا ثَلَاثٌ رَاجِلًا، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَى هَذِهِ الْحِجَجِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا. قَالَ: وَقَدْ ضَلَلْتُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْحِجَجِ، عَنِ الطَّرِيقِ وَأَنَا مَاشٍ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ دَلُّونِي عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمْ أَزَلْ أَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الطَّرِيقِ. قَالَ: وَخَرَجْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُونَ دِرْهَمًا ; كُنْتُ رَحَلْتُ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إِلَى الرَّيِّ وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يُمْكِنِّي الْخُرُوجُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَيْءٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَرْمَلَةَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: وَعَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيَّ مِصْرَ فَلَمْ يَقْدَمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ خِفَّةُ ذَاتِ الْيَدِ حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِالْعِدَةِ.
وَقَدْ طَافَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْبِلَادِ وَالْآفَاقِ، وَسَمِعَ مِنْ مَشَايِخِ الْعَصْرِ، وَكَانُوا يُجِلُّونَهُ وَيَحْتَرِمُونَهُ فِي حَالِ سَمَاعِهِ مِنْهُمْ.
وَقَدْ سَرَدَ شَيْخُنَا فِي " تَهْذِيبِهِ " أَسْمَاءَ شُيُوخِهِ مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَكَذَلِكَ الرُّوَاةَ عَنْهُ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ شُيُوخِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: وَقَدْ أَكْثَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي " الْمُسْنَدِ " وَغَيْرِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ جُمْلَةً مِنْ كَلَامِهِ فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ مِنَ الْفِقْهِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ. وَحِينَ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ وَجَدُوا فِي تَرِكَتِهِ رِسَالَتَيِ الشَّافِعِيِّ ; الْقَدِيمَةَ وَالْجَدِيدَةَ.
قُلْتُ: قَدْ أَفْرَدَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ، وَهِيَ أَحَادِيثُ لَا تَبْلُغُ عِشْرِينَ حَدِيثًا ; وَمِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِّينَاهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، عَنِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ تَعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» . وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَحْمَدَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ فِي الرِّحْلَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ سَنَةِ تِسْعِينَ وَمِائَةٍ، وَعُمُرُ أَحْمَدَ إِذْ ذَاكَ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، إِذَا صَحَّ عِنْدَكُمُ الْحَدِيثُ فَأَعْلِمْنِي بِهِ ; أَذْهَبُ إِلَيْهِ حِجَازِيًّا كَانَ أَوْ شَامِيًّا أَوْ عِرَاقِيًّا أَوْ يَمَنِيًّا. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِقَوْلِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ إِلَّا رِوَايَةَ الْحِجَازِيِّينَ وَيُنْزِلُونَ أَحَادِيثَ مَنْ سِوَاهُمْ مَنْزِلَةَ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَعْظِيمٌ لِأَحْمَدَ وَإِجْلَالٌ لَهُ، وَإِنَّهُ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إِذَا صَحَّحَ أَوْ ضَعَّفَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ، كَمَا سَيَأْتِي ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ وَاعْتِرَافُهُمْ لَهُ بِعُلُوِّ الْمَكَانَةِ وَارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَدْ بَعُدَ صِيتُهُ فِي زَمَانِهِ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي شَبِيبَتِهِ فِي الْآفَاقِ.
ثُمَّ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَكَلَامُهُ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنْكَارُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ. قَالَ: وَفِيمَا حَكَى أَبُو عُمَارَةَ وَأَبُو جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ شَيْخُنَا السَّرَّاجُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّفْظُ مُحْدَثٌ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] قَالَ: فَاللَّفْظُ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ. وَرَوَى غَيْرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: الْقُرْآنُ كَيْفَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَمَّا أَفْعَالُنَا فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَرَّرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي " الصَّحِيحِ "، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِئِ، وَالصَّوْتُ صَوْتُ الْقَارِئِ، وَقَدْ قَرَّرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ. فَهُوَ كَافِرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَيْمُونِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَجَابَ الْجَهْمِيَّةَ حِينَ احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلُهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثَ، لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ هُوَ الْمُحْدَثُ. وَعَنْ حَنْبَلٍ، عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرًا آخَرَ غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ وَعْظُهُ إِيَّاهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي الرُّؤْيَةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ، وَكَلَامُهُ فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَتَرْكِ الْخَوْضِ فِي الْكَلَامِ وَالتَّمَسُّكِ بِمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ، عَنْ حَنْبَلٍ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] أَنَّهُ جَاءَ ثَوَابُهُ. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ سَيِّئٌ. وَقَدْ رَأَى الصَّحَابَةُ جَمِيعًا أَنْ يَسْتَخْلِفُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الْأَثَرُ فِيهِ حِكَايَةُ إِجْمَاعٍ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيمِ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حِينَ اجْتَازَ بِحِمْصَ، وَقَدْ حُمِلَ إِلَى الْمَأْمُونِ فِي زَمَنِ الْمِحْنَةِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي الْخِلَافَةِ؟ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ، وَمَنْ قَدَّمَ عَلِيًّا عَلَى عُثْمَانَ فَقَدْ أَزْرَى بِأَصْحَابِ الشُّورَى ; لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
فَصْلٌ فِي وَرَعِهِ وَتَقَشُّفِهِ وَزُهْدِهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلرَّشِيدِ: إِنَّ الْيَمَنَ تَحْتَاجُ إِلَى قَاضٍ، فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ رَجُلًا نُوَلِّهِ إِيَّاهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَأْخُذُ عَنْهُ: أَلَا تَقْبَلُ قَضَاءَ الْيَمَنِ. فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعًا شَدِيدًا، وَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا أَخْتَلِفُ إِلَيْكَ لِأَجْلِ الْعِلْمِ الْمُزَهِّدِ فِي الدُّنْيَا، أَفَتَأْمُرُنِي أَنْ أَلِيَ الْقَضَاءَ؟ وَلَوْلَا الْعِلْمُ لَمَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَاسْتَحْيَى الشَّافِعِيُّ مِنْهُ.
وَرَوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَا خَلْفَ بَنِيهِ، وَلَا يُكَلِّمُهُمْ أَيْضًا ; لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا جَائِزَةَ السُّلْطَانِ.
وَمَكَثَ مَرَّةً ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَجِدُ مَا يَأْكُلُهُ حَتَّى بَعَثَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَاسْتَقْرَضَ مِنْهُ دَقِيقًا، فَعَرَفَ أَهْلُهُ حَاجَتَهُ إِلَى الطَّعَامِ فَعَجَّلُوا وَعَجَنُوا وَخَبَزُوا لَهُ سَرِيعًا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْعَجَلَةُ! كَيْفَ خَبَزْتُمْ سَرِيعًا؟ فَقَالُوا: وَجَدْنَا تَنُّورَ بَيْتِ صَالِحٍ مَسْجُورًا فَخَبَزْنَا لَكَ فِيهِ. فَقَالَ: ارْفَعُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ، وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابِهِ إِلَى دَارِ صَالِحٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ صَالِحًا أَخَذَ جَائِزَةَ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَكَثَ أَبِي بِالْعَسْكَرِ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَأْكُلْ فِيهَا إِلَّا رُبُعَ مُدٍّ سَوِيقًا، يُفْطِرُ بَعْدَ كُلِّ ثَلَاثِ لَيَالٍ عَلَى سَفَّةٍ مِنْهُ حَتَّى رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَمْ تَرْجِعْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ إِلَّا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَدْ رَأَيْتُ مُوقَيْهِ دَخَلَتَا فِي حَدَقَتَيْهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ يَبْعَثُ لِمَائِدَتِهِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ أَحْمَدُ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ طَعَامِهِ شَيْئًا.
وَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ مَرَّةً ذَهَبَا ; لِيُقَسَّمَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَ، إِلَّا أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَإِنَّهُ أَبَى.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُونِيُّ: حَضَرْتُ أَحْمَدَ وَقَدْ رَهَنَ سَطْلًا لَهُ عِنْدَ فَامِيٍّ بِالْيَمَنِ، فَلَمَّا جَاءَهُ بِفِكَاكِهِ أَخْرَجَ إِلَيْهِ سَطْلَيْنِ فَقَالَ: خُذْ مَتَاعَكَ. فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَيُّهُمَا الَّذِي لَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ وَمِنَ الْفِكَاكِ، وَتَرَكَهُ.
وَحَكَى عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ الْوَاثِقِ فِي ضِيقٍ شَدِيدٍ، فَكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي: إِنَّ عِنْدِي أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي وَلَيْسَتْ صَدَقَةً وَلَا زَكَاةً فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَقْبَلَهَا مِنِّي. فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَرَّرَ عَلَيْهِ فَأَبَى، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِينِ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلْنَاهَا كَانَتْ قَدْ ذَهَبَتْ.
وَعَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ التُّجَّارِ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ رِبْحًا مِنْ بِضَاعَةٍ جَعَلَهَا بِاسْمِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ، وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ قَصْدِكَ خَيْرًا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ تَاجِرٌ آخَرُ ثَلَاثَةً آلَافِ دِينَارٍ فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا وَقَامَ وَتَرَكَهُ.
وَنَفَدَتْ نَفَقَةُ أَحْمَدَ وَهُوَ فِي الْيَمَنِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ شَيْخُهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِلْءَ كَفِّهِ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: نَحْنُ فِي كِفَايَةٍ وَلَمْ يَقْبَلْهَا. وَسُرِقَتْ ثِيَابُهُ وَهُوَ بِالْيَمَنِ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَافْتَقَدَهُ أَصْحَابُهُ فَجَاءُوا إِلَيْهِ فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ ذَهَبًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ إِلَّا دِينَارًا وَاحِدًا ; لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِهِ فَكَتَبَ لَهُمْ بِالْأَجْرِ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الْآخِرَةِ، لَا يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنِ التَّوَكُّلِ فَقَالَ: هُوَ قَطْعُ الِاسْتِشْرَافِ بِالْيَأْسِ مِنَ النَّاسِ. فَقِيلَ لَهُ: هَلْ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ فِي الْمِنْجَنِيقِ عَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا. قَالَ: فَسَلْ مَنْ لَكَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. فَقَالَ: أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الصِّفَارِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَا نَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبُّ فَاجْعَلْنَا عَلَى مَا تُحِبُّ. ثُمَّ سَكَتَ. فَقُلْنَا: زِدْنَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتِي قُلْتَ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَرْضَاتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ إِلَّا إِلَيْكَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّلِّ إِلَّا لَكَ، اللَّهُمَّ لَا تُكْثِرْ لَنَا فَنَطْغَى، وَلَا تُقِلَّ عَلَيْنَا فَنَنْسَى، وَهَبْ لَنَا مَنْ رَحِمَتِكَ وَسَعَةِ رِزْقِكَ مَا يَكُونُ بَلَاغًا لَنَا فِي دُنْيَانَا، وَغِنًى مِنْ فَضْلِكَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي حِكَايَةِ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ عَنْ أَحْمَدَ: وَكَانَ دُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ: اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ فَرُدَّهُ إِلَى الْحَقِّ لِيَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ. وَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ قَبِلْتَ مِنْ عُصَاةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءً فَاجْعَلْنِي فِدَاءً لَهُمْ. وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي لَا يَدَعُ أَحَدًا يَسْتَقِي لَهُ الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ، بَلْ كَانَ يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا خَرَجَ الدَّلْوُ مَلْآنَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، مَا الْفَائِدَةُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] وَالْأَخْبَارُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَدْ صَنَّفَ فِي الزُّهْدِ كِتَابًا حَافِلًا عَظِيمًا لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ. وَالْمَظْنُونُ بَلِ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ ذَلِكَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وَجَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ مُنْقَلَبَهُ وَمَأْوَاهُ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ: قَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إِذَا جَاءَ مَنْزِلَكَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَفَرِحْتُ بِذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْحَارِثِ فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ اللَّيْلَةَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ كَثِيرٌ فَأَحْضِرْ لَهُمُ التَّمْرَ وَالْكُسْبَ. فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ جَاءُوا، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَدْ سَبَقَهُمْ فَجَلَسَ فِي غُرْفَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهُمْ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَلَا يَرَوْنَهُ فَلَمَّا صَلَّوُا الْعِشَاءَ لَمْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا شَيْئًا، حَتَّى جَاءُوا فَجَلَسُوا بَيْنَ يَدَيِ الْحَارِثِ سُكُوتًا كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَشَرَعَ الْحَارِثُ يَتَكَلَّمُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزُّهْدِ وَالْوَعْظِ فَجَعَلَ هَذَا يَبْكِي، وَهَذَا يَئِنُّ، وَهَذَا يَزْعَقُ، قَالَ: فَصَعِدْتُ إِلَى الْغُرْفَةِ، فَإِذَا بِالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَبْكِي حَتَّى كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى الصَّبَاحِ، فَلَمَّا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ قُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ هَؤُلَاءِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي الزُّهْدِ مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ، وَمَعَ هَذَا فَلَا أَرَى لَكَ أَنْ تَجْتَمِعَ بِهِمْ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ لَهُ صُحْبَتَهُمْ ; لِأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ وَإِنْ كَانَ زَاهِدًا لَكِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَكَانَ أَحْمَدُ يَكْرَهُ ذَلِكَ، أَوْ كَرِهَ لَهُ صُحْبَتَهُمْ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ سُلُوكَ طَرِيقَتِهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ. قُلْتُ: بَلْ إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ فِي كَلَامِ بَعْضِ هَؤُلَاءِ مِنَ التَّقَشُّفِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَالتَّدْقِيقُ وَالتَّنْقِيرُ وَالْمُحَاسَبَةُ الْبَلِيغَةُ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ أَمْرٌ ; وَلِهَذَا لَمَّا وَقَفَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ عَلَى كِتَابِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ الْمُسَمَّى " بِالرِّعَايَةِ " قَالَ: هَذَا بِدْعَةٌ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَهُ بِهِ: عَلَيْكَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَدَعْ هَذَا فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ يَدُومَ اللَّهُ لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ فَدُمْ لَهُ عَلَى مَا يُحِبُّ. وَكَانَ يَقُولُ: الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ مَرْتَبَةٌ لَا يَنَالُهَا إِلَّا الْأَكَابِرُ. وَكَانَ يَقُولُ: الْفَقْرُ أَشْرَفُ مِنَ الْغِنَى، فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مَرَارَةً، وَانْزِعَاجَهُ أَعْظَمُ حَالًا مِنَ الشُّكْرِ. وَقَالَ: لَا أَعْدِلُ بِفَضْلِ الْفَقْرِ شَيْئًا. وَكَانَ يَقُولُ: عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَقْبَلَ الرِّزْقَ بَعْدَ الْيَأْسِ، وَلَا يَقْبَلَهُ إِذَا تَقَدَّمَهُ طَمَعٌ أَوِ اسْتِشْرَافٌ. وَكَانَ يُحِبُّ التَّقَلُّلَ طَلَبًا لِخِفَّةِ الْحِسَابِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَالَ رَجُلٌ لِأَحْمَدَ: هَذَا الْعِلْمُ تَعَلَّمْتَهُ لِلَّهِ؟ فَقَالَ: هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ، وَلَكِنْ حُبِّبَ إِلَيَّ شَيْءٌ فَجَمَعْتُهُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي زَمِنَةٌ مُقْعَدَةٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ بَعَثَتْنِي إِلَيْكَ لِتَدْعُوَ اللَّهَ لَهَا، فَكَأَنَّهُ غَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدْعُوَ هِيَ لَنَا. ثُمَّ دَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا. فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى أُمِّهِ فَدَقَّ الْبَابَ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ عَلَى رِجْلَيْهَا، وَقَالَتْ قَدْ وَهَبَنِي اللَّهُ الْعَافِيَةَ.
وَرَوِيَ أَنْ سَائِلًا سَأَلَ فَأَعْطَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قِطْعَةً، فَقَامَ رَجُلٌ إِلَى السَّائِلِ فَقَالَ: هَبْنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ حَتَّى أُعْطِيَكَ عِوَضَهَا، مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا فَأَبَى فَرَقَّاهُ إِلَى خَمْسِينَ وَهُوَ يَأْبَى، فَقَالَ: إِنِّي أَرْجُو مَنْ بَرَكَتِهَا مَا تَرْجُوهُ أَنْتَ مَنْ بَرَكَتِهَا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:















مَلَحٌوِظّةّ : ' لَنِأّ لَقِأّء آخَر مَعٌ َّمَحٌنِةّ أّلَإمَأّمَ أحٌمَدِ فِّى أّلَغٌدِ إنِ شٍأّء أّلَلَهِ











































الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www-alolemy-com.yoo7.com
 
مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (7(
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (5)
» مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (9)
» مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (18)
» مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (22)
» مَعٌ أئمَةّ أّلَعٌلَوِمَ (1)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات العليمى للثقافة :: أهلا بكم :: إسلاميات متنوعة-
انتقل الى: