أبحرت وسائل النقل عائدة إلى فرنسا، لكن بقى أسطول المعركة مساندا الجيش على طول الساحل. كان الأسطول البريطاني تحت قيادة هوراشيو نيلسون يفتش عن الأسطول الفرنسي لأسابيع، ولكن لم يستطع إيجاده في الوقت المناسب لمنع النزول في مصر، ولكن في 1 أغسطس، اكتشف نيلسون السفن الحربية الفرنسية الراسية في موقع دفاعي قوي في خليج أبو قير. اعتقد الفرنسيون أنهم كانوا عرضة للهجوم فقط على جانب واحد، والجانب الآخر محمي من قبل الشاطئ. ومع ذلك، خلال معركة النيل تمكن الأسطول البريطاني بقيادة نيلسون من وضع نصف سفنه بين البر والخط الفرنسي، وبالتالي القدرة على المهاجمة من كلا الجانبين. في غضون ساعات قليلة، أُسرّت أو دُمرّت 11 سفينة فرنسية من أصل 13 سفينة و2 من أصل 4 فرقاطات فرنسية. في حين هربت السفن الأربع المتبقية. يتباين عدد القتلى الفرنسيين حسب المصادر ولكنه يتراوح بين 2000 إلى 5000 قتيل وجريح، وأُسر حوالي 3000 جندي، في مقابل خسارة الإنجليز 218 شخص، وإصابة 677. أحبط هذا هدف بونابرت في تعزيز الموقف الفرنسي في البحر الأبيض المتوسط، وبدلا من ذلك وضعه تماما تحت السيطرة البريطانية. وصلت أخبار الهزيمة البحرية لبونابرت في طريق العودة إلى القاهرة بعد هزيمة إبراهيم. يقول شارل موليي عن موقف نابليون:
هذا الحدث الكارثي لم يزعجه [بونابرت] على الإطلاق، ولم يسمح لأي عاطفة لم يختبرها أولا في ذهنه بالظهور. وبعد قراءة البرقية التي أبلغته أنه وجيشه أصبحوا الآن سجناء في مصر، قال: «لم يعد لدينا سلاح بحري. حسناً، علينا أن نبقى هنا، أو نرحل كرجال عظماء مثلما فعل القدماء».. أظهر الجيش سعادة لهذا الرد القصير، لكن المصريين اعتبروا الهزيمة في أبو قير بمثابة تحول لصالحهم ، ومن ذلك الحين شغلوا أنفسهم للعثور على وسائل للتخلص من نير الكراهية التي كان الأجانب يحاولون فرضها عليهم بالقوة واصطيادهم من بلادهم. سرعان ما تم وضع هذا المشروع حيز التنفيذ.[14]
بعد الهزيمة البحرية في أبو قير، أصبحت حملة بونابرت مرتبطة بالبر. إلا أن جيشه نجح في توطيد سلطته في مصر، رغم أنه واجه انتفاضات قومية متكررة، وبدأ نابليون يتصرف كحاكم مطلق لكل مصر. في مجهود فاشل إلى حد كبير للحصول على دعم من السكان المصريين، أصدر بونابرت تصريحات تصفه بأنه محرر للشعب من الاضطهاد العثماني والمملوكي، مشيدا بمبادئ الإسلام ومدعيا الصداقة بين فرنسا والإمبراطورية العثمانية على الرغم من التدخل الفرنسي في الدولة ذاتية الحكم. هذا الموقف أكسبه في البداية دعمًا قويًا في مصر وأدى لاحقًا إلى الإعجاب بنابليون من محمد علي، الذي نجح في ما لم ينجح فيه بونابرت بإصلاح مصر والإعلان عن استقلالها عن العثمانيين. في خطاب إلى شيخ في أغسطس 1798، كتب نابليون: «أتمنى ... أن أتمكن من توحيد جميع الرجال الحكيمين والمتعلمين في كل الدول وأنشئ نظامًا موحدًا يستند إلى مبادئ القرآن التي تستطيع توجيه الناس للسعادة».[15] ومع ذلك، كتب سكرتير بونابرت «بوريان» أنه لم يكن لديه اهتمام جاد بالإسلام أو أي دين آخر بعيدا عن قيمته السياسية:
«كان مبدأ بونابرت هو النظر إلى الأديان على أنها عمل الرجال، ولكن مع احترامها في كل مكان كمحرك قوي للحكم ... إذا تحدث بونابرت كمسلم، فقد كان ذلك فقط جزءا من شخصيته العسكرية وحكمه السياسي لبلد مسلم. إن القيام بذلك كان أساسياً لنجاحه ولسلامة جيشه. في الهند كان ليؤيد علي، في التبت كان ليؤيد دالاي لاما، وفي الصين أيضا كان ليؤيد كونفوشيوس».
بعد فترة وجيزة من عودة بونابرت من مواجهة إبراهيم جاء المولد النبوي، الذي تم الاحتفال به ببهاء كبير. قاد بونابرت نفسه المسيرات العسكرية للمناسبة، واستعد لهذا المهرجان مرتديا لباسا شرقيا وعمامة. وفي هذه المناسبة، منحه الديوان لقب «علي بونابرت» بعد أن أطلق بونابرت على نفسه «ابن للنبي» و «محبوب من الله». وفي نفس الوقت تقريباً اتخذ إجراءات صارمة لحماية قوافل الحج من مصر إلى مكة المكرمة، حيث كتب رسالة بنفسه إلى حاكم مكة.
ومع ذلك، وبفضل الضرائب التي فرضها عليهم لدعم جيشه، ظل المصريون غير مقتنعين بصدق محاولات بونابرت للتصالح واستمروا في مهاجمته بلا توقف. لم تكن عمليات الإعدام العسكرية قادرة على ردع هذه الهجمات واستمرت في الحدوث.
كان يوم 22 سبتمبر 1798 هو الذكرى السنوية لتأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، ونظم بونابرت احتفالا كبيرا. بناء على أوامره، تم بناء سيرك هائل في أكبر ساحة في القاهرة، مع 105 عمود (كل منها يحمل راية مختلفة) حول الحافة ومسلة ضخمة منقوشة في المركز. تم تسجيل أسماء قتلى الحروب الثورية الفرنسية على سبعة مذابح كلاسيكية، وظهرت مشاهد معركة الأهرام على قوس للنصر. وكان الأمر غريبا، حيث كان الرسم التصويري يمدح الفرنسيين ويقلل من المصريين (الذين كان بونابرت يسعى لكسبهم كحلفاء).
في يوم المهرجان، خاطب بونابرت قواته، وقام بتعداد «مآثرهم» منذ حصار طولون عام 1793 وقال لهم:
من الإنجليز، المشهورين بالفنون والتجارة، إلى البدو الشرسين، لقد ألقيتم نظرة على العالم. أيها الجنود ، مصيركم عادل ... في هذا اليوم، 40 مليون مواطن يحتفلون بحقبة الحكومة، 40 مليون مواطن يفكرون بكم.
بعد أن جعل نفسه حاكما لمصر، أعطى بونابرت مصر بعضا من فوائد الحضارة الغربية. سرعان ما اتخذت القاهرة مظهر مدينة أوروبية، حيث كانت إدارتها (الدواوين) تؤول إلى بعض من أفضل رجال المنطقة. وفي الوقت نفسه، تم إنشاء بعض المؤسسات المحلية في المدن الأخرى. أُنشئ معهد للعلماء الفرنسيين وتم ضم لقب رئيس المعهد إلى لقب أكاديمي. تم إنشاء مكتبة، ومختبر للكيمياء، وخدمة صحية، وحديقة نباتية، ومرصد، ومتحف للآثار وحديقة حيوان.
وبموجب أوامر بونابرت، وضع العلماء جدولاً مقارناً للأوزان والمقاييس المصرية والفرنسية، وكُتِب قاموس فرنسي عربي وحُسِب تقويم مصري قبطي أوروبي (ثلاثي). تم إنشاء جريدتين في القاهرة، واحدة للأدب والاقتصاد السياسي تحت اسم "Décade égyptienne"، والأخرى للسياسة تحت عنوان "Courrier égyptien".
بسبب انخفاض الأعداد بشكل كبير بسبب الوفيات في المعارك والمرض، ومع كون الجيش لم يعد يأمل في الحصول على تعزيزات من فرنسا بعد الكارثة البحرية في أبو قير، حاول بونابرت التغلب على هذه المشكلة عن طريق فرض رسوم على المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 وتحويل الـ 3000 بحار الذين نجوا في أبو قير إلى فيلق بحري. أغلقت جميع الشوارع في القاهرة في الليل ببوابات لمنع السكان من مساعدة العرب في هجماتهم الليلية على الفرنسيين. قام بونابرت بإزالة هذه الأسوار، حيث كان المصريون يستخدمونها كمتاريس ضد الفرنسيين (وقد ثبت أن هذا الإزالة مبررة بالأحداث التي أعقبت ذلك).
ثورة القاهرة الأولى
عدل
المقالة الرئيسة: ثورة القاهرة الأولى
في 21 أكتوبر 1798، بينما كان بونابرت في القاهرة القديمة، كان سكان المدينة ينشرون الأسلحة في الشوارع ويعملون على عمل تحصينات، خاصة في المسجد الكبير. كان قائد اللواء «دوبوي»، حاكم القاهرة، أول من قتل، ثم سلكوفسكي، صديق بونابرت ومعاونه في المعسكر. بعد تحميسهم من قبل الشيوخ والأئمة، أقسم المصريون أن يبيدوا كل الفرنسيين، وأي فرنسي قابلوه تم قتله. وتجمعت الحشود على بوابات المدينة لمنع بونابرت من الدخول، الذي صُدِم وأُجبر على اتخاذ منعطف للدخول عبر بوابة بولاق.
كان وضع الجيش الفرنسي خطيرا، كان البريطانيون يهددون المدن الساحلية، وكان مراد بك في صعيد مصر، وكان الجنرالات مينو ودوغوا قادرين فقط على السيطرة على مصر السفلى. كان لدى العرب المصريين تأييد ودعم لأولئك الذين يثورون ضد الفرنسيين في القاهرة.
تم ضرب العرب مرة أخرى في الصحراء بأوامر من بونابرت، وتمت إعادة المدفعية إلى المدينة الثائرة. قام بونابرت بنفسه بمطاردة الثوار من شارع إلى شارع وأجبرهم على تركيز انسحابهم في المسجد الكبير. لحسن الحظ بالنسبة للفرنسيين، كانت السماء مغطاة بالغيوم وكذلك صوت الرعد، وهي ظاهرة نادرة في مصر. اعتبر بعض من السكان المؤمنين بالخرافات الرعد كعلامة من السماء. أمر بونابرت على الفور مدفعه بفتح النار على المسجد. حطم الفرنسيون البوابات واقتحموا المبنى، وذبحوا ثوار المدينة في الداخل.
بعد عودته مرة أخرى إلى السيطرة المطلقة على القاهرة، سعى بونابرت إلى القبض على الكتاب والمحرضين على التمرد. وأدين عدة مشايخ والعديد من الأتراك والمصريين بالمشاركة في المؤامرة وأعدموا. لإكمال عقوبته، فرض بونابرت على المدينة ضريبة عالية جديدة واستبدل ديوانها بلجنة عسكرية.
الشام
مع هدوء مصر مرة أخرى ووقوعها تحت سيطرته، استغل بونابرت هذا الوقت لزيارة السويس ورؤية بعينيه القناة (المعروفة باسم «قناة سيزوستريس» أو «قناة الفراعنة») التي يقال أنه قد تم حفرها في العصور القديمة بين البحر الأحمر والبحر المتوسط بأمر من الفراعنة. قبل أن ينطلق في رحلة الاستكشاف، أعاد للقاهرة حكمها الذاتي، وحل ديوان جديد مكون من 60 عضوًا محل اللجنة العسكرية.
بعد ذلك، برفقة بيرتهوليت، غاسبار مونج، لو بير، دوتير، كوستاز، كافاريللي، ومتبوعا بـ 300 شخص، انطلق بونابرت إلى البحر الأحمر وبعد ثلاثة أيام من السير عبر الصحراء وصل إلى السويس. بعد إعطاء الأوامر لاستكمال التحصينات في السويس، عبر بونابرت البحر الأحمر وانتقل في 28 ديسمبر 1798 إلى سيناء للبحث عن جبال موسى الشهيرة على بعد 17 كيلومترًا من السويس. وعند عودته، فوجئ بالمد والجزر، وواجه خطر الغرق. عند عودتهم إلى السويس، وبعد الكثير من الاستكشاف، حققت البعثة هدفها، حيث عثرت على بقايا القناة القديمة (قناة سيزوستريس) التي أمر بحفرها سنوسرت الثالث ونخاو الثاني.
الهجمات العثمانية
عدل
في هذه الأثناء، تلقى العثمانيون في القسطنطينية (اسطنبول الآن) أنباء عن تدمير الأسطول الفرنسي في أبو قير، واعتقدوا أن هذا قد رسم نهاية بونابرت وحملته، المحاصرين في مصر. قرر السلطان سليم الثالث شن حرب ضد فرنسا، وأرسل جيشين إلى مصر. انطلق أول جيش، تحت قيادة أحمد باشا الجزار، مع 12000 جندي. وتم تعزيزه بقوات من دمشق، حلب، العراق (10000 رجل)، والقدس (8000 رجل). بدأ الجيش الثاني، تحت قيادة مصطفى باشا، في رودس مع حوالي ثمانية آلاف جندي. كما عرف مصطفى باشا أنه سيحصل على حوالي 42000 جندي من ألبانيا والقسطنطينية والأناضول واليونان. خطط العثمانيون هجومين ضد القاهرة: من سوريا، عبر الصالحية- بلبيس-الخانكة، ومن رودس عن طريق الهبوط البحري في منطقة أبو قير أو ميناء مدينة دمياط.
الرد الفرنسي
عدل
في يناير 1799، وخلال رحلة القناة، علم الفرنسيون بالتحركات العثمانية وأن الجزار قد استولى على حصن العريش الصحراوي على بعد عشرة أميال (16 كم) من الحدود السورية مع مصر، التي كان مسؤولاً عن حراستها. لتأكده بأن الحرب مع السلطان العثماني كانت وشيكة وأنه لن يتمكن من الدفاع ضد الجيش العثماني، قرر بونابرت أن أفضل دفاع له سيكون مهاجمته أولاً في سوريا، حيث سيعطيه النصر المزيد من الوقت للتحضير ضد قوات العثمانيين في رودس.
قام بإعداد حوالي 13000 جندي وتم تنظيمهم في فرق تحت قيادة الجنرالات: رينيه (مع 2160 رجل)، كليبر (مع 2336)، بون (2449)، لانيس (2,938)، فرقة فرسان بقيادة الجنرال يواكيم مورات (900)، لواء من المشاة والفرسان تحت قيادة اللواء بيسيير (400)، فرقة إبل (89)، وفرقة مدفعية تحت قيادة دومارتن (1,387)، والمهندسين والباحثين تحت قيادة كافاريللي (3,404). كان لكل فرقة من فرق المشاة والفرسان 6 مدافع. أخذ نابليون 16 مدفع حصار حيث كانوا موضوعين على السفن في دمياط تحت قيادة القبطان ستاندليت. كما أمر بوريه بالذهاب إلى يافا مع قطع من مدفعية الحصار. كان مجموع المدفعية المرسلة في الحملة 80 مدفع.
وصل ريجنير والطليعة بسرعة إلى العريش، واستولوا عليها، ودمروا جزءا من الحامية وأجبروا الباقين على اللجوء إلى القلعة. تسببوا في هروب مماليك إبراهيم والاستيلاء على معسكرهم. غادرت القوات الفرنسية مصر في 5 فبراير 1799، وبعد سبعة أيام من مغادرة القاهرة، وصل بونابرت أيضا إلى العريش وقصف أحد أبراج القلعة. استسلمت الحامية بعد يومين.
يافا
عدل
تفشي الطاعون بين جنود نابليون
بعد السير لمسافة 60 ميل (97 كم) عبر الصحراء وصل الجيش إلى غزة، حيث استراح لمدة يومين، ثم انتقل إلى يافا. كانت المدينة محاطة بجدران عالية تحيط بها الأبراج. كان الجزّار قد كلف نخبة القوات بمهمة الدفاع عنها، مع المدفعية التي أدارها 1200 جندي عثماني. كانت المدينة واحدة من الطرق المؤدية إلى سوريا، حيث يمكن أن يستخدم الأسطول الفرنسي ميناءها، وكان جزء كبير من نجاح البعثة يعتمد على إسقاطها. وهذا يعني أن بونابرت اضطر إلى الاستيلاء على المدينة قبل المضي قدمًا، ولذلك قام بحصار المدينة في الفترة من 3 إلى 7 مارس.
أرسل بونابرت رسولا تركيا إلى قائد المدينة للمطالبة باستسلامه، وكان الرد هو قطع رأسه، وأمر قائد المدينة بشن هجوم. تم صد الهجوم، وفي مساء نفس اليوم، تسببت مدافع المحاربين في انهيار أحد الأبراج. على الرغم من المقاومة الشديدة لحامية المدينة، إلا أنها سقطت. تلى سقوط المدينة يومان وليلتان من المجازر بأمر من نابليون، حيث تم إطلاق النار على أفراد الحامية الذين تراوح عددهم بين 2440 و4100 (وتصل بعض المصادر إلى عدد 7 آلاف)، وكان أغلبهم من الألبان. دافع بعض الكتاب عن هذا الفعل الانتقامي، حيث كتبوا أن نابليون لم يكن ليستطع تحمل الإبقاء على مثل هذا العدد الكبير من السجناء وحراستهم ولا السماح لهم بالهروب تخوفا من انضمامهم إلى صفوف الجزار.
قبل أن يغادر يافا، أنشأ بونابرت ديوانًا للمدينة بالإضافة إلى مستشفى كبيرة في موقع دير الكرملي في جبل الكرمل، لمعالجة جنوده الذين أصيبوا بالوباء، والذي كانت أعراضه قد شوهدت بينهم منذ بداية الحصار. تسبب تقرير من الجنرالات بون ورامبون عن انتشار الطاعون في إثارة قلق بونابرت. لتهدئة جيشه، يقال إنه دخل غرف المصابين، وتحدث مع المرضى، ولمسهم قائلاً: «انظر، هذا لا شيء»، ثم غادر المستشفى وأخبر أولئك الذين ظنوا أن أفعاله غير حكيمة «لقد كان ذلك واجبا، أنا القائد العام». ومع ذلك، يقول بعض المؤرخين في وقت لاحق أن نابليون تجنب لمس أو حتى مواجهة مرضى الطاعون لتجنب العدوى، وأن زياراته للمرضى هي من اختراع الدعاية النابليونية في وقت لاحق. من أمثلة الدعايا النابليونية بهذا الخصوص، بعد فترة من الحملة، كانت اللوحة الدعائية «بونابرت يزور ضحايا الطاعون في يافا في عام 1804» التي رسمها أنطوان جان جروس. وأظهرت اللوحة نابليون وهو يلمس جسد رجل مريض، حيث تم تصويره كأحد «المعالجين الملكيين». لم يكن هذا من قبيل الصدفة، حيث كان عام 1804 هو العام الذي توج فيه نابليون بونابرت نفسه إمبراطورًا.
معركة جبل طابور
عدل
من يافا، انطلق الجيش الفرنسي إلى مدينة عكا الساحلية. في الطريق استولى الجيش على حيفا وكذلك الذخائر والمؤن المخزنة هناك، بالإضافة إلى قلعة يافة الناصرة، وقلعة الناصرة وحتى بلدة صور. بدأ حصار عكا في 18 مارس/آذار، لكن الفرنسيين لم يتمكنوا من الاستيلاء عليها، وقد توقفت بذلك الحملة في سوريا بشكل مفاجئ. تمت حماية المدينة من قبل نخبة المشاة العثمانيين التي تم إنشاؤها حديثا تحت قيادة الجزار باشا، وكانت المدينة على الساحل مباشرة، مما مكنها من تلقي التعزيزات وإعادة التزويد بالمؤن عن طريق الأساطيل البريطانية والعثمانية.
بعد مرور ستين يومًا من الهجمات المتكررة غير الحاسمة، بقيت المدينة صامدة. بالإضافة إلى ذلك، كانت المدينة لا تزال في انتظار تعزيزات بحرية وكذلك جيش كبير يتكون في آسيا بناء على أوامر السلطان للسير ضد الفرنسيين. لمعرفة تحركات الفرنسيين، أمر الجزّار بهجمة مفاجئة ضد معسكر بونابرت. كانت هذه الهجمة مدعومة بمدفعية وقصف بحري من البريطانيين. استطاع بونابرت دفع قوات الجزار إلى الخلف إلى أسوار المدينة، ثم ذهب لمساعدة كليبر، الذي كان معه نحو 4000 فرنسي. ابتكر بونابرت خدعة استغلت كل المزايا التي قدمها له موقع القوات المدافعة، فأرسل مورات وفرسانه عبر نهر الأردن للدفاع عن معبر النهر وأرسل فيال ورامبون لنابلس، في حين وضع بونابرت نفسه وقواته بين العثمانيين والمخازن الحربية. كانت هذه المناورات ناجحة، وعرفت الأحداث باسم معركة جبل طابور. مأخوذا على حين غرة في العديد من المناطق دفعة واحدة، أجبر الجيش العثماني على التراجع، تاركاً جماله وخيوله ومؤنه، وخسر 5000 ضحية في ساحة المعركة.
حصار عكا
عدل
وبالعودة إلى حصار عكا، علم بونابرت أن الأدميرال بيريه قد وضع سبع قطع مدفعية في يافا. ثم أمر بونابرت بهجمتين، كلاهما تم صده بقوة. شوهد أسطول يرفع العلم العثماني وأدرك بونابرت أنه يجب عليه الاستيلاء على المدينة قبل وصول هذا الأسطول بالتعزيزات. أمر بونابرت بهجوم عام خامس، مما دفع العثمانيين إلى المدينة مرة أخرى وأجبر النيران العثمانية على التراجع. وهكذا تم الاستيلاء على عكا تقريبا أو كانت على وشك الاستسلام.
كان أحد هؤلاء الذين كانوا يقاتلون في الجانب العثماني هو اللاجئ الفرنسي والمهندس فيليبو، أحد زملاء بونابرت في المدرسة العسكرية. أمر فيليبو بوضع مدافع في المواقع الأكثر فائدة وتم حفر خنادق جديدة. في نفس الوقت هبط سيدني سميث -قائد الأسطول البريطاني- وطاقم سفنه. جددت هذه العوامل شجاعة المحاصرين ودفعت قوة بونابرت إلى الوراء. كذلك صدت ثلاث هجمات فرنسية متتالية، مما أدى إلى إقناع بونابرت بأنه من غير الحكمة الاستمرار في محاولة الاستيلاء على عكا، وأمر قواته بالعودة إلى مصر.
الانسحاب من عكا
عدل
أصبح وضع القوة الفرنسية الآن حرجًا - فالعدو يمكن أن يضايقهم وهم يتقهقرون، وكانوا متعبين وجائعين في الصحراء، وكانوا يحملون عددًا كبيرًا من المصابين بالوباء. كان نقل هؤلاء الذين يعانون في وسط الجيش من شأنه أن ينشر المرض، لذا كان يجب حملهم في الخلف، حيث كانوا أكثر عرضة للخطر من جانب العثمانيين، الذين كانوا حريصين على الثأر من المجازر في يافا. كان هناك موقعان للعلاج، أحدهما في المستشفى الكبير في جبل الكرمل والآخر في يافا. بناء على أوامر بونابرت، تم إجلاء جميع الأشخاص الموجودين في جبل الكرمل إلى يافا والطنطورة. تم التخلي عن الخيول قبل عكا، وقام بونابرت وجميع ضباطه بتسليم خيولهم إلى ضابط النقل، وسار بونابرت ليكون قدوة لجنوده.
لإبقاء الانسحاب من الحصار سرا، انطلق الجيش في الليل. وعند وصوله إلى يافا، أمر بونابرت بثلاث إجلاءات لمرضى الطاعون إلى ثلاث نقاط مختلفة - واحدة عن طريق البحر إلى دمياط، وأخرى براً إلى غزة وأخرى براً إلى العريش. وأثناء الانسحاب، اختار الجيش تطهير جميع الأراضي التي مر بها، مع القضاء على كل من الماشية والمحاصيل والمنازل. كانت غزة هي المكان الوحيد الذي تم الحفاظ عليه، مقابل بقاءها موالية لبونابرت. ولتسريع الانسحاب، اتخذ بونابرت أيضا خطوة مثيرة للجدل تتمثل في قتل السجناء والرجال الذين أصابهم الطاعون على طول الطريق. يجادل أنصاره أن هذا كان ضروريًا بسبب استمرار المضايقة من قبل القوات العثمانية.
العودة إلى مصر
عدل
وأخيرا ، بعد أربعة أشهر خارج مصر، وصلت البعثة إلى القاهرة مع 1800 جريح، وخسرت 600 رجل بسبب الطاعون و1،200 أثناء القتال. في غضون ذلك، أرسل المبعوثون العثمانيون والبريطانيون أخباراً عن نكسة بونابرت في عكا إلى مصر، مشيرين إلى أن قوته الاستكشافية دمرت بشكل كبير وأن بونابرت نفسه قد مات. عند عودته، سخر بونابرت من هذه الشائعات عن طريق العودة إلى مصر كما لو كان على رأس جيش منتصر، حيث كان جنوده يحملون أشجار النخيل وشارات النصر. في خطابه لسكان القاهرة، قال بونابرت:
لقد عاد إلى القاهرة، رئيس الجيش الفرنسي، الجنرال بونابرت، الذي يحب دين محمد. عاد سليما وبخير، شاكرا الله على النعم التي أعطاه إياها. دخل القاهرة من بوابة النصر. هذا اليوم هو يوم عظيم. لقد خرج جميع سكان القاهرة لمقابلته. لقد رأوا وأدركوا أنه هو نفس القائد العام، بونابرت، بنفسه. لكن أولئك الذين في يافا، بعد أن رفضوا الاستسلام، فقد سلمهم جميعاً الموت في غضبه. لقد دمر كل أسوارهم وقتل جميع الذين كانوا هناك. كان هناك حوالي 5000 من جنود الجزار في يافا - لقد دمرهم جميعًا.